انقطاع الماء في السقدود
معاناة متواصلة و سلطة عاجزة !
لا يزال انقطاع الماء بالمنطقة الريفية السقدود من معتمدية المتلوي من ولاية قفصه من الإشكاليات التي لم تجد طريقها الى الحل حيث بلغت عامها التاسع رغم ربطها بشبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. انتهاكات بيئية لحقوق الإنسان مست عددا غير قليل من الأهالي، فحوالي 2000 ساكن يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب،ورغم سلسلة التحركات الاحتجاجية التي خاضوها في أكثر من مناسبة إلا أن الوضع لم يتغير لتستمر بذلك معاناتهم الى يومنا هذا .
و لعل ما زاد الطين بلة التعاطي السلبي و لامبالاة سلط الاشراف و شركة الصوناد التي لم تول الموضوع الاهمية التي يستحقها و هو ما يعكس استهتارا بحياة اهالي المنطقة, في تناقض تام مع ما ورد في الدستور التونسي في فصله 48 ” على الدولة توفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة”[1]،و في تضارب صارخ مع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
معاناة يومية لجلب المياه
مع انقطاع الماء المتواصل تزداد معاناة الأهالي سيما صغار السن منهم الذين يعتبرون الحلقة الاضعف. وتجبر العائلات أمام هذا الوضع اللاإنساني على اقتناء المياه من الباعة المتجولين الذين يجوبون المنطقة طولا و عرضا و هي في مجملها مياه غير صحية (صهاريج غير صحية و معرضة لاشعة الشمش) و الأخطر من ذلك عدم خضوعها للمراقبة من الهياكل الصحية مما يجعل المنتفعين منها عرضة لعديد الأمراض مثل أمراض الكلى و أمراض الإلتهاب الكبدي الفيروسي المرتبطة أساسا بتلوث الماء. أضف الى ذلك الكلفة المادية التي يتكبدها الأهالي حيث يبلغ سعر وعاء 10 ل من الماء دينارين علما و أن جل المتساكنين ينحدرون من طبقات فقيرة و لنا أن نتخيل عائلة تتكون من 6 افراد كم تستهلك من الماء أسبوعيا و كم تنفق من اجل ذلك !!
ورغم الجهود التي تبذلها منظمة الامم المتحدة لإنفاذ الحق في الماء، و التي كان اخرها إقرار الجمعية العامة بحق الإنسان في الحصول على كفايته من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي (ما بين 50 و 100 لتر لكل فرد يوميا)، على أن تكون تلك المياه مأمونة وبأثمان معقولة (لا ينبغي أن تزيد كلفة المياه عن 3% من مجمل الدخل الأسري)، وأن تكون متاحة مكانا (ألا تبعد أكثر من 1000 متر من المنزل) وزمانا (ألا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة)[2] إلا أن الوضع في السقدود مختلف تماما. فمع بداية كل يوم, ومع طلوع الشمس, ورغم حرارة الطقس صيفا و برودته شتاء ,يخرج الاهالي بحثا عن المياه، حاملين معهم أوانيهم البلاستيكية و يقفون في صفوف متراصة أملا في الحصول على كمية تضمن لهم القيام بالأعمال المنزلية .و من المؤكد أن لهذه المجهودات المبذولة كلفتها البدنية حيث تعاني العديد من النساء من الام الظهر و الركبتين بسبب الحمولة التي يتكبدنها عند حمل هاته الاثقال هذا إضافة الى إضاعة الكثير من الوقت الذي يصل أحيانا الى الخمس ساعات متواصلة.
يقول محمد الرحيلي وهو أحد قاطني الجهة ” منذ سنة 2013 قطعت عنا الدولة إمدادات الماء، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعاني الأمرين جراء ذلك ” ويستأنف حديثه:”نعتمد على بعض الابار المجاورة لبيوتنا في جلب المياه المخصصة للاستخدام المنزلي، أما مياه الشرب فنقوم بشرائها من بعض المواطنين الذين يقومون ببيعها بشكل عشوائي ودون اي رقابة ، ويتولى الجميع هنا القيام بهذه المهمة بما فيهم النساء والأطفال القصر”.
التحركات الاحتجاجية
منذ مطلع سنة 2019 , دخل متساكنو منطقة السقدود في سلسلة من التحركات من أجل المطالبة بحقهم الدستوري في الماء، وقد تراوحت هذه التحركات بين الاحتجاجات السلمية التي تمثلت أساسا في الوقفات الاحتجاجية التي تطورت, بسبب عدم تجاوب السلط المعنية, والامتناع عن دفع الفواتير سنة 2019 إلى إغلاق المدرسة الابتدائية مع مفتتح السنة الدراسية 2022/2023، ليقوم بعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية فرع الحوض المنجمي بتبني هذه القضية عبر إصدار بيانات التنديد والضغط على مسؤولي الجهة لوضع هذا الملف على طاولة التفاوض، بيد أن جميع التحركات لم تفض إلى أي تغيير يذكر. ورغم تبني إدارة الصوناد برنامجاً لنظام الحصص و الذي وقع اعتماده في عديد مدن الحوض المنجمي على غرار مدينتي المظيلة و المتلوي لم تحل المشكلة باعتبار ان مدينة المتلوي التي تزود منطقة السقدود هي في حد ذاتها تعاني من الانقطاعات المتكررة أضف الى ذلك الاعتداءات التي تقع على الشبكة من طرف بعض الفلاحين و بعض مربي الماشية و الابل.
وضع المدارس الابتدائية
تتواجد بمنطقة السقدود مدرستان ابتدائيتان يرتادها تقريبا 100 تلميذ و تفتقر الى الحد الادنى من المقومات حيث تعاني بنيتها التحتية من الاهتراء و ينقطع عنها الماء الصالح للشراب منذ سنوات عديدة. في ظل هذه الاوضاع المزرية, يضطر التلاميذ الى احضار قوارير مياه صغيرة من بيوتهم فيما يضطر مديرا المدرستين الى ملء اواني بلاستيكية توضع في دورات المياه لكن رغم هذه الجهود ,تبقى التهديدات قائمة سيما مسألة إنتشار الأمراض و هو ما إضطر المندوبية الجهوية للتربية بقفصة إلى توفير صهاريج مياه قارة بفناء المدرستين .
في 15 سبتمبر 2022 منع الأولياء أطفالهم من الالتحاق بالمدارس و هددوا بمقاطعة العودة المدرسية احتجاجا على غياب المياه فيها،ونظمت وقفات احتجاجية بتأطير من فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالحوض المنجمي الذي رافق الأهالي في احتجاجهم، وتمت مراسلة والي الجهة ووزير الفلاحة ورئاسة الجمهورية.
و في موفى شهر سبتمبر 2022 تم تنظيم جلسة بمقر ولاية قفصه وعد خلالها الوالي ببرمجة حفر بئر إلى جانب قرارات أخرى. ويوم 7 أكتوبر 2022وأثناء الجلسة التي عقدها مع ممثلين عن منطقة السقدود، وعد وزير الفلاحة بالعمل على حفر بئر سيما وان الأهالي قد تبرعوا بقطعة أرض على أن تنطلق الاشغال مع بداية سنة2023 لكن الأشغال لم تنطلق إلى حد الآن وهو ما جعل الأهالي يهددون بالعودة إلى الاحتجاجات.
مراسلة المنتدى التونسي رئاسة الجمهورية حول إشكال الماء في السقدود
الاعتداءات على الشبكات والربط العشوائي يفاقمان الأزمة
في مقابلة أجراها فريق من قسم العدالة البيئية مع مدير إقليم الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بقفصه خلال شهر جانفي 2023 أكد السيد محمد بنعاسي وجود اعتداءات على القنوات المتأتية من مدينة المتلوي قام بها عدد من الفلاحين من اجل استغلال المياه في الري الزراعي، مشيرا إلى تزايد ظاهرة الربط العشوائي وعجز السلطات المعنية على التصدي لذلك بسبب ضعف الرقابة وعدم اتخاذ إجراءات جدية لردع مثل هذه التجاوزات من طرف السلطة المركزية وعلى رأسها وزارة الفلاحة. ويعد حفر الآبار بطريقة عشوائية دون الحصول على التراخيص[3] ممارسة واسعة الانتشار في العديد من جهات البلاد التونسية وخاصة بالمناطق التي تشكو نقصا في الموارد المائية، ورغم الحملات الأمنية التي تقوم بها شركة الصوناد في بعض الأحيان بالتعاون مع السلط الامنية إلا أنها تبقى غير كافية لمجابهة هذه الممارسات الخارجة عن القانون.
مناصرة المنتدى التونسي لاهالي السقدود : التوجه نحو المسار القضائي
كان المنتدى التونسي حاضرا في جميع المحطات الاحتجاجية التي خاضها أهالي السقدود، وتم إتباع مسار التقاضي عبر رفع قضية ضد فرع الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بالمتلوي في 2019 لكن تم رفض القضية في طورها الأول بتعلة أن قوة قاهرة تحول دون وصول الماء بهذه المنطقة نظرا للنقص الحاصل في الموارد المائية بمنطقة المتلوي. غير أن حملة المناصرة لم تتوقف عند هذا الحد بل إستمرت متابعة الملف عبر القيام بالتعبئة الإعلامية للقضية والسعي لمعاضدة مجهود الدولة في التخفيف من وطأة العطش سيما بالمدرستين الابتدائيتين حيث وقع التدخل و ذلك بربط دورات المياه مباشرة بالصهريج حتى يتمكن الأطفال من استعمال الحنفيات المعطبة منذ سنوات.
يمثل وضع الماء في السقدود جرس إنذار للدولة التونسية لكي تعيد ترتيب أولوياتها باعتبار قضية الماء ام القضايا و مقياسا لمدى التزامها بإنفاذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة. كما أصبح محتما على السلطة اليوم ان تستجيب لمطالب أهالي السقدود وغيرها من المناطق المعطشة عبر إتباع استراتيجية واضحة و تبني سياسة بيئية ناجعة تستند على مقاربة حقوقية ترسخ لمفهوم العدالة المائية على اعتبار أن الحق في الماء يساوي الحق في الحياة. كما يهمنا أن نذكر أن الوضعية المائية في البلاد حرجة للغاية مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، التي زادها تعقيدا سوء التصرف في الموارد المائية وعدم ترشيد الاستهلاك في عديد القطاعات وخاصة منها القطاع الفلاحي. ويشدد المنتدى في هذا السياق على ضرورة الانكباب على مقترح مجلة المياه الجديدة، المعطل منذ 2019 مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والخبراء.
[2] https://www.un.org/ar/global-issues/water#:~:text
.
[3] http://www.onagri.nat.tn/uploads/cahiers-des-charges/cahier-charge-eau.pdf