المقدمة
يشتغل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ سنة 2018 على مشروع العدالة البيئية الذي يسعى من خلاله الى تسليط الضوء على التحديات البيئية المطروحة على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية في علاقة بحق المواطنين في بيئة سليمة وصحية. وبعد سنوات من العمل الميداني والمناصرة لأصحاب الحقوق، يمكن لنا الجزم بأن تردي الوضع البيئي في تونس هو في نهاية المطاف نتاج لرؤية سياسية ولمنوال تنموي قائم أساسا على استنزاف الموارد الطبيعية على حساب التوازن البيئي.
ويمكن القول ان جميع الجهات بدون استثناء تعاني بسبب التلوث وافتقارها لمقومات العيش الكريم التي نص عليها الدستور التونسي والمعاهدات الدولية الممضاة من الدولة التونسية وهو ما سنحاول ابرازه في هذه المقتطفات من التقارير التي قام بإعدادها نشطاء بيئيون وباحثون صلب المنتدى.
في مستهل حديثنا عن السياسات البيئية واستغلال الدولة للموارد الطبيعية تحدثت سهام ايروش وهي متربصة فرنسية في قسم العدالة البيئية عن فشل مأسسة المسالة البيئية في تونس وهو ما مثل مدخلا للانتهاكات والاعتداءات المتعددة على مقدرات الشعب وضربا لحقوق الأجيال القادمة. وفي نفس السياق تسلط رحاب مبروكي الضوء على مفارقة الغنى والفقر في جهة تطاوين التي تتحوز على ثروة بترولية مهمة بينما تفتقر مدنها الى ابسط مقومات العيش الكريم مثل الحق في التمتع بالصرف الصحي. كما تحدثت عن افتقار مدن الحوض المنجمي الى محطات تطهير سيما بمدينتي الرديف وام العرائس اين يعاني السكان من انتشار الروائح الكريهة وظهور الامراض الجلدية مع التركيز على الأسباب التي أدت الى تعطل مشروع بناء محطة مشتركة كحل نهائي لهذه الازمة. وبالإضافة الى ازمة الصرف الصحي، يتناول مقال الباحثتين نعيمة الفقيه ومنال البكري ازمة التزود بالماء الصالح للشراب في منطقة القيروان ويعتمد تشخيصا مفصلا لهذا المشكل، قبل أن يقدم في نهايته مقترحات للحفاظ على الموارد المائية بالجهة وضمان توفرها للمواطنين خاصة في المناطق الريفية.
كما تستعرض بقية المقالات الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها جهات بأكملها حيث يتحدث الصحفي ناجح زغدودي في آخر التقريرعن معضلة المرجين بمنطقة الشوايحية بالقيروان بالإضافة الى آثارها البيئية والصحية سيما ظاهرة انتشار مرض اللشمانيا الذي بات هاجسا لمتساكني المناطق الريفية مع غياب الرعاية الصحية وانتشار التلوث بأنواعه.
وفي الجزء المخصص للحق في بيئة سليمة، سلطت المنسقة الجهوية لمشروع العدالة البيئية منيارة المجبري الضوء على ازمة النفايات بمدينة عقارب التي انتفضت على تعسف السلط المركزية التي ارادت ان تبقي عليها كمصب رغم صدور قرار قضائي يقضي بإغلاقه وهو ما يعكس عجز الدولة على ضمان حق المواطن في العيش في بيئة سليمة. وفي نفس السياق تعود رحاب مبروكي لتتحدث عن ازمة النفايات في مدينة الرديف بعد احتجاج الأهالي ومطالبتهم بإغلاق المصب البلدي وتركيز مصب جديد بعيدا عن الاحياء السكنية.
وتختتم هذه الباكورة من المقالات بدراسة لطبيبة الاسنان والمتطوعة صلب المنتدى شيماء بيزاني عن مياه الشرب في مدينة الرديف وأثرها في تسمم الاسنان بالفليور وهي دراسة ميدانية حاولت من خلالها ابراز تأثيرات نشاط شركة فسفاط قفصة على تلويث المياه والاضرار الصحية الناجمة عن ذلك.