لمرصد الاجتماعي التونسي
جانفي 2025
عودة للاحتجاج.. التشغيل والوضعيات الهشة في قلب الحراك الاجتماعي..
ملاحظة: انطلاقا من شهر جانفي 2025 سيتولى المرصد الاجتماعي التونسي نشر البيانات التفصيلية الخاصة بالاحتجاجات والتي تتضمن معطيات حول الاحتجاج ومدته وتاريخه وشكله والفاعلين.ات فيه ومطالبه والجهة وذلك من اجل قراءة كيفية اكثر دقه للاحتجاجات ومساهمة في تسهيل عمل الصحفيين.ات والباحثين والفاعلين وعموم المواطنين.ات.
اتسعت رقعة التحركات الاجتماعية وارتفع نسق الاحتجاجات أكثر خلال شهر جانفي 2025، واحتل الفاعلون الاجتماعيون الفضاء العام بشكل دوري مطالبين بتسوية الوضعية المهنية والقطع مع العمل الهش والحق في الانتداب ووضع حد للبطالة التي طال أمدها. وعلى عكس السنة الماضية تعرف بداية السنة الجارية عودة للحراك والمطلبية من جديد، وقطع مع حالة الركود والتراجع غير المسبوق الذي سجلته على امتداد النصف الأول من السنة الماضية.
وبلغة الأرقام شهد الشهر الاول من العام تصاعد بنحو ال 181% في نسق التحركات الاجتماعية مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لنقفز من 137 تحركا احتجاجيا خلال جانفي 2024 الى 386 تحركا احتجاجيا خلال جانفي 2025. وهو منحى تصاعدي انطلق منذ الربع الأخير للسنة الذي عرف ارتفاع في حصيلة الحراك الاجتماعي.
وتتاكد من جديد القراءة التي قدمها المرصد الاجتماعي التونسي والذي توقع خلالها عودة للمطلبية والاحتجاجات الميدانية التي أفل وهجها منذ فترة، وخاصة تلك التي ارتبطت بملفات اجتماعية عالقة منذ ما بعد 2011.
وشكلت الاحتجاجات المرتبطة بتسوية الوضعية المهنية وبالحق في تشغيل حاملي الشهائد المعطلين عن العمل، وتحسين ظروف العمل وصرف المستحقات وتفعيل الانتداب وتطبيق الاتفاقات العالقة.. نسبة 65% من مجموع التحركات المسجلة خلال شهر جانفي 2025.
وكان توجه السلطة الرسمية من رئاسة حكومة ورئاسة جمهورية، نحو تسوية ملف المعلمين والاساتذة النواب ومتابعة تسوية وضعية عمال الحضائر، عناصر محفزة وقادحة لسلسة من التحركات صلب قطاعات ذات وضعيات مشابهة، ومنها القيمين والمرشدين المتعاقدين بوزارة التربية الذين اختاروا الدخول في اعتصام منذ منتصف الشهرومازال متواصلا خلال شهر فيفري، وأعوان المركز الوطني للنهوض بذوي الإعاقة، والعاملين في الجمعيات المختصة ضمن الاتفاقية القطاعية لأعوان التربية المختصة، وعاملات الفلاحة، واعوان الاعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية.. كما واصل عمال الحضائر ما فوق ال 45 عاما التحرك من أجل تسوية عادلة لملفهم، وخاضت مجموعات من الأساتذة والمعلمين النواب تحركات بعد اقصائهم من التسوية على خلفية البحث الأمني.
في نفس الوقت عاد المعطّلون عن العمل من حاملي الشهائد العليا إلى التحرك بكثافة خلال شهر جانفي. وانطلقت تحركاتهم بتنظيم وقفات احتجاجية جهوية بمختلف ولايات الجمهورية وصولا الى الدعوة الى تجمع احتجاجي ضخم بساحة القصبة بداية شهر فيفري.
كما رصد فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي احتجاجات مواطنين طالبت بتوفير المواد الأساسية ومنها قوارير الغاز المنزلي التي تزامن فقدانها من الأسواق مع موجات برد وانخفاض في درجات الحرارة ما خلق حالة من الاحتقان والغضب في عديد المناطق. وتحرك سكان من اجل توفير خدمات أساسية عمومية منها، الماء الصالح للشراب والربط بشبكة الكهرباء والغاز وشبكة التطهير وتعبيد الطرقات وفك العزلة ورفع الفضلات وتوفير النقل العمومية وتأمين المؤسسات التربوية وتوفير اكلة مدرسية للتلاميذ وتحسين الخدمات الصحية وتوفير التجهيزات والاطارات الطبية وطب الاختصاص…
وتواصلت خلال شهر جانفي 2025، التحركات المساندة للشعب الفلسطيني وتزامنت مع إمضاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. كما سجل الشهر وقفات احتجاجية طالبت باطلاق سراح سجناء الرأي والسياسيين منهم والموقوفين على خلفية عملهم المدني. وخاضت الناشطة الحقوقية سهام بن سدرين إضرابا عن الطعام لمدة 16 يوما احتجاجا على تواصل ايقافها لأكثر من 160 يوما في اعتبرته قضية كيدية..
ويتمركز الزخم الاحتجاجي اساسا على مستوى تونس العاصمة، التي سجلت لوحدها 112 تحركا، يليها في ذلك ولاية جندوبة ب 39 تحركا فولاية قفصة ب34 تحركا ثم ولاية تطاوين ب 31 تحركا والقيروان ب21 تحركا والقصرين ب18 تحركا وينزرت ب16 تحركا وسليانة وسوسة ب11 تحرك في كل منهما وعرفت كل من المهدية وسيدي بوزيد 7 تحركات لكل منهما..
ولا تخضع الاحتجاجات المسجلة خلال الشهر الأول للسنة الى تقسيم جندري بين الاناث والذكور اين تم تنظيم 297 من التحركات بمشاركة الجنسين. في حين انتظم 62 تحركا من قبل الذكور فقط و20 تحركا من قبل الإناث فقط.
وعلى عكس الأشهر السابقة تراجع خلال شهر جانفي اعتماد الفاعل الاجتماعي الفضاء الافتراضي كإطار اول للاحتجاج او المطالبة ليشكل 104 فقط من جملة اطره الاحتجاجية، وتوزعت بين النداء عبر وسائل الاعلام والبيان والعريضة. في مقابل ارتفاع نسق التحرك الميداني وفي الفضاء الرسمي ليشكل نسبة 81.53% من اطر الاحتجاج. وتم اعتماد الوقفات الاحتجاجية في 100 مناسبة والاعتصام في 50 مناسبة والإضراب في 44 مناسبة وإضراب الجوع في 17 مناسبة، وتعطيل الأنشطة في 13 مناسبة. وانتظم خلال نفس الفترة 8 مسيرات نحو العاصمة و6 مسيرات سلمية وتم في 5 مناسبات تنظيم يوم غضب وفي مثل حمل الشارة الحمراء وفي 4 مناسبات قام المحتجون بحرق العجلات المطاطية وفي مناسبتين تم منع من الالتحاق بالدروس وفي مناسبة وحيدة سجلت مقاطعة للدروس، ومثلها قطع للطريق ومثلها مقاطعة امتحانات.
ويتجه الفاعل الاجتماعي الذي توزع بين عمال وموظفين وسكان ونشطاء مجتمع مدني وطلبة وسجناء ومعلمين واساتذة ومعطلين عن العمل وفلاحين وسواق تاكسي وموظفو الصحة وتلاميذ وصحفيون وعمال حضائر..، أساسا نحو السلط المركزية التي تتلخص في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزارات بمختلف مقراتها وإداراتها بدرجة أولى يليها مباشرة ما يمثل السلط الجهوية وهم الولاة والعمد والمعتمدين ثم في مرتبة ثالثة تأتي المحاكم والقضاة والجهاز الأمني.
وانطلاقا من العينة المرصودة تعود أحداث الانتحار ومحاولات الانتحار الى الارتفاع من جديد خلال شهر جانفي 2025، بعد انخفاضها خلال الاشهر السابقة اين تم رصد 12 حالة انتحار ومحاولة انتحار من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي، انتهت في 8 منها بالوفاة وتم إسعاف البقية.
واعتمد القائمين بالفعل الانتحاري في 6 من محاولات الانتحار على حرق النفس كشكل احتجاجي على العائلة او السلطة الامنية او الوضع الاجتماعي والاقتصادي.. وتناول 3 تلميذات ادوية كمحاولة للانتحار وقام 3 اخرين بشنق انفسهم.
ومثل التلاميذ نصف العدد الذي أقدم على الانتحار خلال شهر جانفي، في حين بلغ عدد الشباب 4 وانتحرت كهلة في سن الأربعين. وبلغ عدد الذكور 7 في حين كان عدد الإناث 5. واحتضن الفضاء الخاص، المسكن، 8 من أحداث الانتحار في حين كانت المؤسسة التربوية اطارا لحالتا انتحار وسجل الفضاء العام الحالتين المتبقيتين.
وشهدت ولاية سيدي بوزيد 4 من حالات ومحاولات الانتحار يليها القيروان ب 3 حالات انتحار وشهدت تونس العاصمة حالتا انتحار كما سُجّل حالة انتحار في كل من بن عروس والكاف والقصرين.
وينبه المرصد الاجتماعي التونسي الى ضرورة ايلاء هذا السلوك الاهمية والاهتمام اللازمين من قبل الهياكل الرسمية المعنية كما يشير الى انه على الأغلب لا يمكن دراسة هذا السلوك وتفكيكه دون فتح نقاش واسع وشامل يتم خلاله وضع ملفات المحرمات والتابوهات على طاولة النقاش خاصة في ظل ما تؤشر له هذه الظاهرة من مشاكل اجتماعية ومخاطر تهدد الصحة العامة للمواطنين.
وتتخذ احداث العنف خلال شهر جانفي 2025، نفس الملامح العامة للاشهر السابقة، ولا تستثنى ايا من الجهات لتعرف مستوى انتشار واسع. ويحافظ العنف في تفاصيله على نفس الرغبة في الانتقام والتشفي والعمل على التقزيم والتقليل من قيمة الآخر.. وتبرز احداث اكثر وحشية وقسوة تتخذه في جانب منها الشكل الممسرح والاستعراضي..وتشهدت منطقة زانوش من ولاية قفصة مثلا حادثة ذبح اب لزوجته وابنه. واقدم كهل على طعن والده في ولاية نابل، وتعمد شاب الى سكب بنزين على ممرض في المستشفى الجهوي بساقية سيدي يوسف على احد الممرضين واحراقه من خلف له حروق بليغ وفي المنستير قتل اخ لاخيه وفي مدينة قليبية اقدم شاب على سكب مادة حارقة على والدته واضرم فيها النيران ما ادى لوفاتها..
ولا يقتصر العنف على الفضاء العام والخاص بل يشمل المؤسسات التربوية، والفضاءات الاستشفائية والإدارات ومؤسسات الإنتاج. ويمثل الذكور 46 % من المعتدى عليهم و82% من المقدمين على فعل العنف والمسؤولين عليه، في حين تشكل الاناث 36% من المُعتدى عليهن و11% من المقدمات على فعل العنف، وتأتي أحداث العنف في البقية في شكل مختلط بين الإناث والذكور.
ويتخذ العنف في نسبة 75% من الأحداث المرصودة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي شكلا اجراميا ياتي بعده العنف المؤسساتي بنسبة 15% فالعنف الاقتصادي بنسبة 5%. و يكون الهدف الأساسي من أحداث العنف الاعتداء على الضحية بدرجة أولى ثم تاتي السرقة كدافع ثاني ويكون الانتقام الدافع الثالث ثم يأتي في الترتيب الاعتداء الجنسي فالاحتجاج.