تقرير من اعداد: منير السعيداني وفؤاد غربالي
لم تكن التحركات الاحتجاجية والشعبية التي انطلقت في 17 ديسمبر 2010 لتنتهي بإسقاط رأس النظام يوم 14 جانفي سوى تتويجا لمحطات نضالية سابقة في الحقل الاجتماعي والمطلبي رافقت تحركات عمال النسيج في منطقة الساحل مع بداية الألفية ثم انتفاضة الحوض المنجمي وتحركات فرنانة والصّخيرة وبن قردان فضلا عن تحركات ميدانية قطاعية شملت الأجراء والطلبة والمدونين وأشكال التعبير الفني الاحتجاجية.
لقد اتخذت هذه التحركات الميدانية أشكالا جديدة عبر الاعتصامات وإضرابات الجوع والحملات وهو ما دفع نحو استحداث أشكال جديدة من التشبيك بين حقول العمل السياسي والحقوقي والنقابي تأكدت الحاجة الملحة إليها وفاعليتها بشكل جلي مع اندلاع انتفاضة الحوض المنجمي في جانفي 2008 والتي دشنت مرحلة جديدة في علاقة المجتمع بالسلطة وعلاقة المجتمع المدني بالحركات الاحتجاجية والاجتماعية ومهّدت الطريق فعليّا لثورة 2011.
ولقد تموقع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ تشكله القانوني وحتى قبل ذلك كديناميكية مناضلة غير مهيكلة في الفضاء المشترك بين الحقول النقابية والحقوقية والسياسية عزّزت هذا التّموقع ليصبح اليوم بعد سبع سنوات من النشاط الميداني والمناصر للحركات الاجتماعية واحدا من أهم منظمات المجتمع المدني التونسية الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بل ليصبح مرجعا ذا مصداقية بعد الأدوار التي لعبها في ملفات الهجرة وتحركات عمالات النسيج والطرد التعسفي والحوض المنجمي والحق في الماء والبيئة التشغيل الهش والبطالة …
لقد وقف المنتدى من خلال تقاريره ومتابعاته على الزخم المتنوع للحركات الاجتماعية الأفقية والتحتية والخارجة عن الصيغ التقليدية للحركات الاجتماعية النقابية والطلابية والنسوية المتعارف عليها، بل إن هذه الحركات أصبحت حَاملة لمطالب محلية وآنية وفئوية في الظاهر غير أنها في الجوهر تلتقي على أرضية واحدة وهي رفض السياسات العمومية للدولة ولخيارات الحكومات المتعاقبة كغيرها من الحركات الاجتماعية في العالم المناهضة للعولمة النيوليبرالية.
كل ذلك دفعنا نحو البحث عن آليات تساعد هذه الديناميكيات المشتتة على التقارب والتضامن والتشبيك فكانت فكرة المؤتمر الوطني للحركات الإجتماعية ” كإطار لملاءمة صيغ التعبئة والتواصل والتضامن والتقاطع بين مختلف الحركات مع تحولات الوضع السياسي العام ومع معطى الحرية الذي رفع القيود عن الفضاء العام مما يجعلها لا تفقد زخمها الخصوصي وحماسة المنخرطين فيها وتكتسب قوة الفعل الجماعي المقاوم في نفس الوقت. فيتحول بذلك الفاعلون الاجتماعيون من فاعلين موصومين سلبيا في الدعاية الرسمية ومقصيين من حقل سياسي عادت للتحكم فيه قوى معادية للثورة ولأفقها الديمقراطي والاجتماعي إلى فاعلين مؤثرين في تغيير السياسات العمومية.
هكذا إذن يصبح من منظور المنتدى “بناء الشبكات ومد الجسور بين الحركات الاجتماعية والمحلية بشكل أفقي كفيلا بدفع الصراع الاجتماعي من أجل التغيير على أكثر من واجهة ومدخل ديمقراطي لضمان انخراط واسع للمواطنين أصحاب الحق أنفسهم في عملية الضغط من أجل التغيير السياسي وبناء الكتلة الاجتماعية المتعددة العناصر والمكونات والقادرة على مواجهة الخيارات الجائرة التي تمليها التوجهات الليبرالية الجديدة وتستفيد منها الفئات والشرائح والنخب المبررة لها إيديولوجيا والمنخرطة فيها”، كما نقرأ ذلك في الوثيقة التحضيرية للمؤتمر.
وقد طور المؤتمر بناء على هذه القناعة آلية التشبيك من خلال بعث ”التنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية” والتي يمكن النظر إليها بأنها الاستجابة العملية لعمل الرصد والمناصرة التي كان يضطلع بهما المنتدى.
بهذا الخيار وبهذا التّموقع صارت علاقة المنتدى بالحركات الاجتماعية والاحتجاجية علاقة تمفصل تستوجب رؤية مشتركة وإطارا مرجعيا مشتركا يستدعي جهدا تنظيريا وبحثيا تأليفيا ينطلق من واقع الحركات ويعود إليها بمعرفة أعمق حول ذواتها وحول أفقها ومسارتها النضالية.
في هذا السياق يأتي هذا التقرير الذي تكفل بإعداده الباحثان منير السعيداني وفؤاد غربالي في ضوء أشغال المؤتمر الثاني للحركات الاجتماعية المنعقد في مارس 2018. غاية المنتدى من نشر هذا التقرير هي الـتأكيد على الحاجة الحيوية لتفاعل وتمفصل مثلت البحث السوسيولوجي العلمي ومنظمات المجتمع المدني والفاعلين أنفسهم لا فقط لإنتاج معرفة بالواقع الجديد في تونس اليوم، بل وكذلك لتدبر سبل تغييره باتجاه أهداف الثورة.