الكلمة الافتتاحية لرئيس المنتدى
السادة والسيدات الحضور
الاخوة والأصدقاء من الجمعيات والمنظمات والحركات الاجتماعية
مرحبا بكم جميعا
لقد عملنا منذ مدة على اعداد هذه الندوة التي سنعرض فيها نتائج أعمال باحثين ومجموعات عمل متعددة الاختصاصات، في كل الجهات وفي أهم المواضيع المرتبطة بقضايا التنمية والديمقراطية.
ونحن لا نبالغ حين نقدم هذا العمل الضخم الذي استغرق سنتين كاملتين، والذي هو بمثابة نقلة نوعية في عملنا في المنتدى، ونأمل أن يجد فيه الجميع ضالته كل في مجال اهتمامه و نضاله بعد نشر كل تقاريره ودراساته قريبا.
وما يهمّنا من هذا العمل هو التأكيد على رؤيتنا للانتقال الديمقراطي الذي لا يجب أن يقتصر على اصلاح منظومة التشريعات المنظمة للحياة السياسية وتنظيم الانتخابات الدورية وضمان التعددية السياسية والحريات المدنية الديمقراطية على أهميتها كمكاسب فقط.
فالديمقراطية في تقديرنا وقناعاتنا العميقة لها بالضرورة أبعاد اجتماعية تمكّن من تحقيق التنمية العادلة والمستدامة وتحد من الفوارق وتضمن العيش الكريم لكل الفئات الاجتماعية.
ولا يمكن للديمقراطية الاجتماعية في تونس بعد ثمانية سنوات من الثورة أن تتحقق على أرض الواقع، إلا من خلال تجسيم أهداف وشعارات الثورة في الحرية والتشغيل والكرامة، وكل التفاف على هذه الأهداف او تأجيل تحقيقها، هو في الجوهر التفاف على الثورة وتنكر لدماء شهدائها وتضحيات جرحاها وخيانة للملايين الذين آمنوا بها وانخرطوا فيها. وليس خطر الثورة المضادة وعودة منظومة النظام القديم خطرا افتراضيا بل أصبح خطرا حقيقيا لم يعد يخفي وجهه بل يتقدم في ظل الفراغ الحالي الذي تركته قوى الثورة المنهكة والمشتتة والمتناحرة.
لقد أكد المنتدى من خلال التقارير التي ينشرها دوريا وخاصة منذ 2014 على تدهور الأوضاع الاجتماعية التي وقع رصدها في كل الجهات والمناطق والأحياء، كما نبه باستمرار الجهات الرسمية والحكومية الى خطورة هذه الأوضاع وهو ما لم يجد أي آذان صاغية بل قوبل بالتجاهل والصمت.
اليوم صرنا نملك ما يكفي بعد ما أنجزناه من تقارير ودراسات آخرها حول الهجرة والحركات الاجتماعية الجديدة لكي نؤكد أن الأسباب الحقيقية التي أدت الى الثورة لا تزال هي نفسها بل أن الأوضاع زادت سوء كما تشير الى ذلك كل المؤشرات وصرنا كذلك على قناعة ان ارادة التغيير الاجتماعي قائمة في عمق المجتمع وهي ما تنفك تتحرك وتعلن عن نفسها عبر الحركات الاجتماعية المختلفة.
ولقد تحملنا في هذا السياق التاريخي مسؤولياتنا كاملة في الانخراط الفعلي في دعم الحركات الاحتجاجية والاجتماعية ميدانيا فكنا جنبا الى جنب معها كلما تعلق الأمر بمحاربة الفساد أو بالتحركات من اجل الحق في التشغيل او دفاعا عن حقوق عمال الحضائر وكل ضحايا التشغيل الهش وكلما تعلق الامر بالحق في البيئة السليمة او الحق في الخدمات الاجتماعية. كما كنا دائما الى جانب عائلات ضحايا الهجرة والمفقودين والمهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء وسنستمر في أداء دورنا والاضطلاع بمسؤولياتنا كاملة في دعم أصحاب الحق والمهمّشين ومن أجل حماية واحترام حقوق الانسان والمساواة الكاملة بين الجنسين والدفاع عن دولة الحق والقانون.
ورغم أهمية عملنا المتعلق بضرورة مواصلة التعبئة الميدانية ورصد الحركات الاجتماعية وفك العزلة عنها والتصدي لكل أشكال الملاحقات القضائية والهرسلة الأمنية التي تطالها فإننا نؤمن حقا بالحاجة لبناء أرضية مشتركة للتغيير الاجتماعي من أجل بلورة بدائل اقتصادية واجتماعية جديدة عادلة وحتمية وربط ذلك بالعمل على خلق القوة الاجتماعية والمدنية القادرة على حمل هذا المشروع والصراع من أجله ضد الخيارات القديمة الفاشلة. وهذا ما يجعلنا نعمل على تشبيك الفعاليات المدنية والديمقراطية وتوحيد طاقاتها والحد من تفككها وعزلتها استئناسا بتجارب عالمية ودراسات باحثين أجانب يشاركوننا النضال ضد العولمة النيوليبرالية المعادية لحقوق الشعوب ويؤمنون بعالم عادل ومتضامن .
ما نقدمه اليوم وما سننشره لاحقا الى جانب اسهامات اخرى لمنظمات نقابية ولباحثين وجمعيات مجتمع مدني، يرسم خط الصراع القائم اليوم بين رؤيتين للاقتصاد والمجتمع، واحدة تستمر في تكرار وصفات المنوال القديم وخلفيته النيوليبرالية التي انتفضت ضدها الجماهير منذ 2008 في الحوض المنجمي ثم في 2010 الى حد اسقاط النظام، والثانية تنحاز الى الفئات الفقيرة والمهمشة وتقطع مع ديكتاتورية التوصيات النيوليبرالية وتقترح خيارات بديلة تؤسس لمجتمع عادل.
ان قلقنا اليوم على التجربة الديمقراطية مضاعف، أمام فشل النخب الحاكمة وغلبة المصالح الحزبية والشخصية والفئوية، حيث يتم اليوم افراغ كل الحريات من محتواها وتحويل التعددية السياسية الى تعددية شكلية لا تمنع التحالفات والتقاطعات بين الخصوم السياسيين والايديولوجيين من أجل وقف مسار الثورة وتعطيل تقدمها نحو أهدافها الاجتماعية والتنموية، وما تعدد محاكمات نشطاء الحركات الاجتماعية وتشويه صورتها لدى الرأي العام ومحاولات التضييق على الجمعيات والإصرار على منطق المغالبة العددية إلا مؤشرات تنبؤ بعودة النزعة التسلطية التي تريد تمرير خيارات اقتصادية واجتماعية مكلفة اجتماعيا ومهددة للسيادة الوطنية.
ان المحاور التي سيتضمنها برنامج الندوة والمتعلقة باقتصاد التنمية وبالتنمية المحلية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وبتمويل الاقتصاد و بإصلاح المؤسسات وغيرها… هي في الأصل عرض مختصر لرؤية تنموية واقتصادية واجتماعية بديلة تتضمن ما هو عاجل لوقف التدهور والانهيار الكامل للأوضاع وفيها ما هو استراتيجي للإصلاح على المدى المتوسط والبعيد.
السادة والسيدات الحضور
ان عمل المنتدى ينبني على ثلاثة مرتكزات، يتمثل الأول في مناصرة الحركات الاجتماعية وتعزيز قدراتها التعبوية والنضالية والميدانية ويتمثل الثاني في فك العزلة عنها إعلاميا وسياسيا وتمكينها من فرص للتعبير عن مطالبها وعن حقوقها المشروعة أما الثالث فيتمثل في بناء البدائل والمقترحات والبرامج التي تجعل تونس أخرى ممكنة.
ونحن على يقين ان المرحلة القادمة تملي علينا مضاعفة الجهود وتعبئة كل القوى الديمقراطية للتصدي لما تعده الحكومة الحالية على مستوى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
ان فشل النخب الحاكمة في إيجاد الحلول لمشاكل البلاد وتبخر آمال الشباب والمجتمع عموما في التغيير لا يعني فشل المجتمع برمته. ان إرادة التغيير والكفاءة في اقتراح الحلول وفي تنفيذها تتوفر في تونس اليوم وهذا ما نريد أن نبرهن عليه من خلال هذا المشروع البحثي والميداني الذي أنجزناه ونضعه على ذمة الجميع.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لكل الاتحادات الجهوية للشغل والمنظمات والجمعيات والشخصيات والنقابيين ومناضلي المجتمع المدني على مساهمتهم الفعالة في الملتقيات الجهوية وفي اثراء الحوار حول محاور هذا المشروع.
كما نتوجه بالتحية الى وزارة حقوق الانسان والعلاقات مع المجتمع المدني لتسهيلها التفاعل والتواصل مع مختلف الادارات الجهوية في كل الولايات.