دراسة: “وَادِي المْغَطَى” فضاء مَفْتُوح للت غْيِيِب المُضَاعف: قِصة مُهَاجِرِين عَالِقِين ومَنْبُوذِين
خالد طبابي
على طول الوادي وبين مرتفعات الجبال، تحت النخيل وحجر الجبال وبالقرب من بركة المياه الملوثة، هنا وهناك وفي كل مكان، تحت الشمس والضلال لن يرى المرء سوى المأساة. من زار الوادي خلال تلك الأيام سيشاهد الجروح والالآم، سيرى رُضعا وأطفالا كُتِبَ عليهم الشقاء والحرمان، كما ستلاحظ عيناه نسوة خائفات ومستضعفات، وبين كل هؤلاء سيكتشف بأن المكان مجرى للمياه ومرتعٌ للحشرات. وبعد أن يستوعب المرء ما شاهدته عيناه سيخلص إلى القول إن هذه الفئات هم أناس ضاق بهم الحال، فحاولوا اجتياز الحد الفاصل ولكن الحدود قتلت الأحلام ودمرت الإنسان وصارت رمزا للهيمنة والاستبداد.
وإذا استعرنا من الفرنسي بول فينياي دوكتون: “أيّها المحتجزون في وَادِي المْغّطَى اتركوا آمالكم خارج الباب”. فبين أبناء الجلدة الواحدة، جلدة الافارقة لم تعد الحدود البرية حرية، فالمكان محاصر بين جحيمين: “القوات الأمنية التونسية أمامكم والدرك الجزائري وراءكم.” وفي سياق الحصار وانتظار المساعدات، تمت استباحة كرامة الإنسان، فالمهاجرون محاصرون، عالقون ومنبوذون جالسون في “غرفة انتظار التاريخ”.
في وسط كل هذا الألم، لن يرى المرء في وجوههم مطافئ الحزن الكبير وهي الدموع، بل وكأنهم يخاطبون بعضهم بعبارة “ناظم حكمت” :”الحياة جميلة يا صاحبي“، حيث ندّدت حناجر البعض منهم مردّدة في وادي المغطى: ” حرروا الحدود- حرروا الحدود Libérer les frontières“. فهم ليسوا قطيعا أو رُعاعًا أو حيوانات، هم أناس مكافحون ضد هيمنة الاستبداد، لهم توق الوصول إلى الحرية والمساواة.
في هذا الإطار تحاول هذه الورقة الإجابة عن بعض التساؤلات المتعلقة بتشكل الفضاء، وملامح المهاجرين وأسباب هجرتهم وقصص معاناتهم ونبذهم وغيرها من الأسئلة التي حاولنا قدر الإمكان أن نجيب عنها بموضوعية. والموضوعية هي أن يلعن الباحث ذاتيته منذ البداية على حد قول عالم الاجتماع السويدي جونار ميردالGunnar Myrdal. [1]لذلك فنحن لا نقف في مفترق الطرقات، بل نعدّل البوصلة باتجاه الطريق المؤدية إلى الحرية، طريق المعرفة والنضالية ضد الحدود التميزية التي لم تنتج سوى القصص الإنسانية الأليمة والتراجيدية.