أوروبا الحصن
دراسة حول التشديد في سياسة منح تأشيرات شنغن، تبعاته وضحاياه
دراسة من انجاز الباحث مهدي العش
تاريخيا، اقترن ضمان حرية التنقل داخل فضاء شنغن بتشديد لفرص النفاذ إليه، وبالتحديد بالنسبة لحاملي إحدى جنسيات « القائمة السوداء » التي يشترط بالنسبة لها الحصول على تأشيرة شنغن. لكننا لاحظنا، منذ فترة، زيادة كبيرة في حالات رفض مطالب التأشيرات في تونس، وذلك استنادا إلى تعلات مرتبطة بامكانية الهجرة غير النظامية. استهدفت هذه الموجة جل الشرائح الاجتماعية، بما فيها الأشخاص الذين قدموا اثباتات تفيد باستقرار وضعياتهم الاجتماعية والمهنية، كما استهدفت التونسيين وأيضا متساكنين من جنسيات أخرى كالجنسية الليبية أو إحدى جنسيات دول افريقيا جنوب الصحراء.
من خلال هذه الدراسة، حاولنا أن نفسح لضحايا هذه السياسة المجال للحديث عن تجاربهم، ونسلط الضوء عل المعاناة التي عاشها كل منهم خلال مباشرتهم اجراءات التحصل على التأشيرة وتبعات رفض مطالبهم. وقد تبين أن طالبي التأشيرة هم أولا ضحايا لاستغلال تجاري من قبل الدول الأعضاء في فضاء شنغن التي تفرض معلوما وصفوه بالمشط (قبل أن تتم زيادته مؤخرا ب33 بالمائة ليبلغ 80 يورو، دون مبرر)، وخاصة من قبل مسدي الخدمات من الخواص الذين يديرون اجراءات طلب التأشيرة بمنطق ربحي صرف، فلا يكتفون بمعاليم الخدمة بل يبيعون، بأسعار خيالية، خدمات اختيارية دون أن تكون فعلا كذلك. كل هذا يجعل ثمن التأشيرة باهضا للغاية، دون أن يتم استرجاعه في حال الرفض، وهو خلق لدى عدد كبير من المستجوبين شعورا بالاستغلال.
شعور بالاستغلال ينضاف إلى شعور بالإهانة، إذ أن رفض التأشيرة يستند إلى أسباب غامضة تتعلق بخطر الهجرة غير النظامية، لا تقنع أبدا المعنيين خاصة وأن ملفاتهم تحتوي في معظم الأحيان كل الوثائق والاثباتات المطلوبة. فطالبو التأشيرة أصبحوا يعامَلون كأنهم « مهاجرون غير نظاميون إلى أن يثبتوا العكس ». يولد هذا لديهم إحساسا بالظلم، خاصة وأن حق الطعن في قرارات الرفض ليس إلا ضمانة نظرية تصعب ممارستها في الواقع. حتى إعادة طلب التأشيرة وتكبد مصاريفه مرة أخرى ليست حلا، خاصة وأن رفض مطلب التأشيرة مرة يؤدي عادة إلى رفض ثان وثالث، وكلما كان هنالك رفض، تضاءلت فرص الحصول على التأشيرة في المرة القادمة. لكن، من جهة أخرى، قابلنا العديد من طالبي التأشيرة الذين رفضت ملفاتهم رغم حصولهم قبل ذلك على تأشيرة شنغن لأكثر من مرة.
وقد اعتبر عدد من المستجوبين أنهم ضحايا تمييز يتسلط على شعوب بأكملها، في حين لا تفعل حكوماتهم شيئا للدفاع عنهم. وبالتالي، فإنهم يحملون المسؤولية أيضا للسلطات التونسية على سلبيتها وتقاعسها في هذا الملف.
ورغم أن الهدف الرئيس من اتباع سياسة “التشدد” في منح التأشيرات هو “مكافحة الهجرة غير النظامية”، إلا أن هذه السياسة تساهم على العكس، في تشجيع نمط آخر، في غاية الخطورة، من الهجرة غير النظامية والمتمثل في عبور البحر المتوسط على متن قوارب الموت. هذا ما أكده عدد من المستجوبين الذين ذكروا حالات لأصدقاء لهم يفكرون في الهجرة غير النظامية عبر المتوسط، بعد محاولات فاشلة للتحصل على تأشيرة.
ورغم أن التنقيح الأخير للقانون الأوروبي للتأشيرات حسّن قليلا من بعض الضمانات لفائدة طالبي التأشيرة، وبالتحديد مسألة تبرير رفض مطالب التأشيرة، إلا أن المرجح هو أن سياسة التشديد ستتفاقم أكثر، خاصة وأن هذا التنقيح يسمح صراحة باستعمال سياسة التأشيرات، وبالتحديد معلومها وسهولة إجراءاتها، كوسيلة ضغط على الدول التي لا تتعاون بالشكل الكافي مع السلطات الأوروبية في مسألة إعادة قبول اللاجئين.
رابط تحميل الدراسة:
Français
Anglais
Arabe