ولئن تم تقديم هذا الميثاق كحل وسط، فهو في حقيقة الأمر يمثل خطوة كبيرة إلى الوراء فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين اذ يركز على انتهاج مقاربة أمنية لمنع وصول المهاجرات والمهاجرين إلى الأراضي الأوروبية. والأكثر إثارة للقلق في هذا الاقتراح هوإنشاء نظام تضامني بين دول الاتحاد الأوروبي لتنظيم عمليات الترحيل القسري الجماعي بدل التضامن والتعاون بين هذه الدول لاستقبال المهاجرات والمهاجرين. إن استعداد الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي للتملص والإفلات، عوض السعي لتوفير الحماية والحفاظ على كرامة آلاف الأشخاص وعائلاتهم الفارين من المجاعة والحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتغير المناخ، بدى واضحا في نص الميثاق الذي اكتفى بالإجابة عن جميع هذه الجوانب بتبرير واحد، ألا وهو “المسألة الادارية المعقدة”. من خلال هذا النص، تحيد أوروبا عن الاتفاقيات الدولية السارية المتعلقة بحقوق الانسان والتي تمثل فيها طرفا فاعلا وتنتهك مفهوم وقيم الحماية والكرامة والحق في فرصة العيش الكريم والحرية لجميع الأشخاص، بغض النظر عن أصلهم أو لون بشرتهم أو توجهاتهم الجنسية أو خياراتهم الدينية.
هذا ويتجاهل نص الميثاق الحقوق الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد في الجمعية العامة للأمم المتحدة (1948)، بالتحديد منها حرية التنقل دون قيود لجميع الأشخاص وعائلاتهم وممتلكاتهم.
لهذا الميثاق كذلك تداعيات هامة على سياسات الهجرة في دول الجنوب إذ يهدف في حقيقة الامر إلى ادارة الضوابط المفروضة على طالبي اللجوء خارج أراضي الاتحاد الأوروبي من خلال إنشاء “نقاط ساخنة”، ومن خلال الاستعانة بمصادر خارجية لمراقبة الحدود في بلدان الهجرة و / أو العبور، حتى ولو تطلب الأمر إنشاء مراكز احتجاز كما هو الحال بالفعل في ليبيا.
هذا الميثاق الأوروبي، إذا ما تم اعتماده بالصيغة التي هو عليها حاليا، سيؤثر أيضا على البلدان المجاورة لأوروبا. ويمكن لبلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، سواء دول المغرب الكبير أو بشكل عام دول القارة الأفريقية، أن تلعب دورا حاسما في عملية التعبئة.
نحن منظمات المجتمع المدني في الضفتين الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط:
– نعتبر أن هذا المقترح يمثل انتكاسة غير مسبوقة لحق اللجوء على الحدود ويضفي الشرعية على الانتهاكات المتعددة لمبدأ عدم الترحيل القسري المنصوص عليه في اتفاقية جنيف.
– نؤمن بأن اقتراح الميثاق لا ينبثق عن رغبة في الشروع في تغيير سياسات الهجرة الأوروبية نحو احترام حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء، اذ يعزز الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء الخيار الأمني لمنع وصول الوافدين إلى الحدود ولتنظيم عملية فرز للأشخاص الذين تمكنوا بأعجوبة من النجاة من رحلات مُميتة للوصول إلى الأراضي الأوروبية، وانتقاء الذين يعتبرون مؤهلين للحصول على اللجوء من بين الأشخاص الآخرين الذين يجب طردهم.
بناء على ما سبق، ندعو الاتحاد الأوروبي الى:
– احترام التزاماته فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان
– إحداث تغيير جذري في سياسات الهجرة نحو تشجيع التضامن من أجل حماية حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية وضمان حماية الأشخاص وعدم إقصائهم.
– الضغط على الدول الأوروبية للمصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وعائلاتهم، وكذلك تشجيع هذه الدول على الانخراط في حملات تسوية الوضعيات وتطوير نظام استقبال موحد متضامن ومحافظ على الكرامة.
– مد الجسور وعدم بناء الجدران بين الشعوب وتسخير مساهمات مالية للترحيب اللائق بالأشخاص العالقين على حدوده الخارجية والسماح لهم بالدخول غير المشروط إلى الأراضي الأوروبية
– التوقف عن اعتبار دول الجنوب قوات أمن أو جيش تابع لأوروبا ودعمها في استكمال إجراءات التسوية في ظل ظروف تحترم حقوق وكرامة المهاجرات والمهاجرين.
– وبما أن العواقب الوخيمة لهذه المقاربة وانتهاكها للكرامة الانسانية والحقوق الأساسية واضحة، فإننا ندعو المجتمع المدني في شمال وجنوب المتوسط، إلى:
– تنظيم أنشطة للتعبئة في أوروبا بشكل أساسي ومع البرلمانيين الأوروبيين، وكذلك مع النواب (الوطنيين) من الدول الأوروبية. كما يجب الحوار مع المجموعات البرلمانية السياسية المختلفة داخل البرلمان الأوروبي
– إطلاق حملة في دول جنوب المتوسط (المغرب العربي خاصة، وإفريقيا والشرق الأوسط بشكل عام)، للدفع نحو مقاومة هذه الدول وعدم قبولها لنص الميثاق الذي سيُلزمها بلعب دور “الدركي الخاضع لأوروبا”، من خلال قبول اتفاقيات إعادة القبول وتكثيف المراقبة على الحدود وهو انتهاك واضح لحقوق وكرامة المهاجرات والمهاجرين
في مواجهة للتضامن الأمني العنيف للدول الأوروبية والذي يجرد المهاجرات والمهاجرين من إنسانيتهم ويعرض حياتهم للخطر، يتوجب علينا التفاعل والعمل الدائم لدعم التضامن بين الجمعيات والنقابات والمسؤولات والمسؤولين المنتخبين من كلا ضفتي المتوسط من أجل ضمان الكرامة واحترام حقوق الإنسان