الحرائق ونقص مياه الشرب : شهادات حول تأثير تغير المناخ على حياة سكان أرياف طبرقة
مالك الزغدودي: صحفي وباحث تونسي مهتم بقضايا البيئة وحقوق الإنسان
الحرائق والنقص الفادح في نسب التساقطات المائية وشح مياه السدود والانقطاع المتكرر للماء الصالح للشراب وأزمة المحاصيل المعاشية وتعطل شبكة الكهرباء لأيام متواصلة هو واقع حياة سكان أرياف طبرقة هذا الصيف.
في هذا المقال، سنسلط الضوء على الحرائق الأخيرة وتحديات نقص المياه في منطقة طبرقة وأريافها من خلال الشهادات المؤلمة من النساء الريفيات، اللواتي يعشن يوميًا مع تلك المشاكل. سنناقش أيضًا تأثيرات تغير المناخ على المنطقة، خاصة الحرائق الدامية التي اندلعت هذا الصيف بالإضافة إلى تقديم حلول لمشكلة نقص المياه. سوف يحتوي هذا المقال على فيديو حاولنا من خلاله توثيق ورصد أغلب المشاكل التي تعترض سكان القرى المحيطة بمدينة طبرقة، وأيضا صورا توثق معاناة النساء في منطقة شعبة الربيع، بسبب تأثير الحرائق على الجبال المحيطة بمنطقة ملولة.
سكان الأرياف وخاصة منهم النساء الأكثر تضررا من صعوبة الولوج الى الماء
للنساء في أرياف مدينة طبرقة دور أساسي في توفير المياه لأسرهن وحيواناتهن المدجنة (الدجاج أو المواشي بأنواعها) أو الأنشطة الفلاحية العائلية التي يمارسنها مثل زراعة العلف أو تربية النحل وزراعة بعض الخضروات.
تقوم النسوة بمهمة جلب المياه يوميًا من مصادرها مثل العيون أو الآبار إلى منازلهن وحقولهن الزراعية. هؤلاء النساء يواجهن تحديات متعددة، بدءًا من الرحلات الطويلة التي يقمن بها للوصول إلى مصادر المياه، وصولًا إلى عدم التيقن من توفر المياه عند الوصول إلى تلك النقاط. هذه الرحلات المرهقة تزيد من عبء النساء وتؤثر على صحتهن وجودة حياتهن اليومية.
علاوة على ذلك، تنعكس مشاكل نقص المياه على حياة النساء الريفيات من خلال تأثيرها على الزراعة فالفلاحة العائلية هي مصدر رزق كبير للعديد من هؤلاء النساء وأسرهن، ونقص المياه يجعل الزراعة أمرًا صعبًا ويؤثر سلبًا على مدخول الأسر وجودة الحياة.
بالنسبة للنساء الريفيات في طبرقة، فإن هذه المشكلات تمثل أعباءًا مضافة على كاهلهن، ويتعين على السلطات المحلية والوطنية التصدي لهذه المشكلة بشكل جدي. ينبغي تحسين البنية التحتية المائية، وتوجيه المزيد من الاستثمارات نحو تحسين توزيع المياه وضمان استدامتها كما يجب تعزيز الوعي بأهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها.
إن توفير المياه بشكل مستدام ليس مسؤولية النساء الريفيات وحدهن، لكن على أرض الواقع هن وحدهن المسؤولات.
حيث حدثتنا الخالة مريم امرأة ستينية أرادت مشاركتنا قصتها، وتجربتها الصعبة “عندما كنت متوجهة للحصول على مياه العين في منطقة شعبة الربيع (تبعد أقل من 6 كلم على وسط مدينة طبرقة)، وخلال تلك اللحظات الهادئة بجوار العين، كنت على وشك مواجهة خطر حقيقي. ظهر ذئب بجواري، وكان ذلك الأمر مروعًا.
كان يجب علي أن أفعل شيئًا، وسرعان ما اتخذت قرارًا بالدفاع عن نفسي. بفضل الله، تمكنت من تفادي الهجوم والبقاء سالمة، حيث لم يهاجمني الذئب. تخيلوا وحدكم أني في القرن 21 في تونس وفي مدينة يوجد بها ثلاثة سدود وعدد لا أعرفه من البحيرات الجبلية وأنا في الستين من العمر، أقابل الذئاب من أجل توفير شربة ماء رغم أن كل القرى المحيطة بشعبة الربيع مزودة بشبكة المياه الصالحة للشراب.”
هذه الشهادة تجسد معاناة النساء في المناطق الريفية، حيث يواجهن تحديات خطيرة أثناء تزويد المياه لأسرهن، مقابل تجاهل كامل من سلط الإشراف المحلية والجهوية.
تعكس أيضا هذه التجربة أهمية توفير وصول آمن وسهل للمياه وضمان سلامة النساء أثناء رحلاتهن للحصول على هذا الحق الأساسي وذلك كما ينص عليه الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. كما يجب أن نعمل جميعًا من أجل تحسين ظروف حياة النساء في المناطق الريفية وتخفيف معاناتهن.
نشير إلى أن مدينة طبرقة وأريافها، تمتاز بوفرة البحيرات والعيون الجبلية والسدود الممتلئة بالمياه رغم نقص الأمطار هذه السنة مثل سد الوادي الكبير(الخذائرية) وسد أولاد سدرة. وفي هذه المناطق الحدودية مع الجزائر، تتواجد قرى جبلية مثل الزويتينة وشعبة الربيع وهما محرومتان من شبكة المياه الصالحة للشراب وعانت منطقة ملولة هي الأخرى من انقطاعات كبيرة في المياه الصالحة للشراب خاصة بعد الحرائق الأخيرة.
ومما يقوي الشعور بالغبن واللاعدالة لدى سكان هذه القرى، أنهم يعيشون معاناة يومية مع نقص المياه على الرغم من توفر المياه في النزل وعدد من المنشآت السياحية، ويجد الأهالي صعوبة في الوصول إلى المياه بسبب تقاعس السلط الجهوية وشركة استغلال وتوزيع المياه (الصوناد) في ربط هذه القرى بشبكة المياه الصالحة للشرب.
سكان هذه المناطق الريفية وخاصة النساء يعبّرن عن حاجتهن الملحة للمياه وتسهيل الوصول إليها بشكل مستدام. إنهن يضعن آمالهن على السلطات المحلية وشركة استغلال وتوزيع المياه لتقديم الدعم والحلول الضرورية. ومن هنا يأتي دور المجتمع المدني في دعم هذه الجهود وزيادة الوعي حول هذا التحدي الحيوي الذي يؤثر على حياة النساء والسكان في المناطق الريفية بطبرقة. ومن أهم التحديات الرئيسية التي تطرحها معضلة العطش بهذه المناطق هو عدم توجيه الاستثمارات والجهود بشكل كاف إلى تحسين البنية التحتية المائية. فالسدود الموجودة تعتبر مكمنًا هامًا لتوفير المياه، لكن بات من الضروري العمل على صيانة وتهيئة هذه المنشآت من أجل ضمان استدامتها ونجاعة أفضل من حيث تخزين وتوجيه المياه.
بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة التفاوتات الإقليمية في توفر المياه وضمان توزيعها العادل، حيث من غير المعقول مواصلة تحويل مياه الشمال من ولايات الشمال الغربي المعطشة من أجل تزويد العاصمة والمدن الساحلية. كما ينبغي أن تكون هناك استراتيجيات واضحة للتعامل مع تغيرات المناخ وتأثيرها على توفر المياه.
بشكل عام، يمكن القول إن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز التفاعل والتعاون بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي لتطوير سياسات مائية أكثر فاعلية وتوجيه الاستثمارات بشكل أفضل لتحسين حياة السكان في هذه المناطق المهمشة. وتجدر الإشارة أن السلط المحلية لم تتفاعل مع سكان منطقة ملولة والزويتينة وشعبة الربيع حول مشاكلهم إلى حدود نشر هذا المقال.
التغيرات المناخية والحرائق كابوس آخر يلقي بظلاله على أرياف طبرقة
لا تزال آثار حرائق ملولة لشهر جويلية 2023 حاضرة في أذهان سكان تلك المنطقة. كان اللهيب يمتد بسرعة عبر الغابات الكثيفة، مخلفا وراءه مشهدًا مأساويا حيث تضررت المساحات الخضراء التي كانت مصدرًا للحياة والموارد للسكان، وتحولت إلى رماد وحطام وأصبحت غابات الصنوبر الحلبي متفحمة تصدر رائحة كريهة أرهقت السكان صحيا وجعلت من عملية التنفس خانقة حسب شهادة أكثر من مواطن ومواطنة هناك.
إن تلك الحرائق لم تمتد فقط لتضر البيئة، بل انعكست تأثيراتها بشكل كبير على المجتمع المحلي. تم تدمير المنازل، وخسارة الممتلكات، وانقطاع المياه عن السكان، مما جعلهم يواجهون تحديات صعبة لاستعادة حياتهم السابقة والحفاظ على موارد رزقهم.
وقد اندلعت هذه الحرائق في سياق متصاعد للتغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة. ويعزز ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الحاد اندلاع الحرائق ويتسببان في امتدادها بشكل أكبر. كما تجسد هذه الحوادث التحديات الجادة التي تواجهها المناطق الريفية والضرورة الملحة للتكيف مع التغيرات المناخية. هذه المشكلات تجسد الضرورة الملحة للتصدي لتحديات نقص المياه وتغير المناخ في منطقة طبرقة وأريافها كما تزيد معاناة السكان من أهمية البحث عن حلً جاد وفعّالً لهذه القضايا.
أكد لنا عماد التريكي وهو ناشط محلي ورئيس المجمع المهني للصيد التقليدي بطبرقة منطقة ملولة:
“إن هذا المشهد الكارثي يجعلنا ندرك أهمية العمل المشترك للمحافظة على بيئتنا وضمان سلامة مجتمعاتنا. يجب علينا تعزيز جهودنا للوقاية من مثل هذه الحرائق والعمل على تعزيز الاستدامة في مواجهة التغيرات المناخية”
عماد يشارك تجربته مع انقطاع المياه أثناء الحرائق وما عقبها: “الماء يعني الحياة، ولكن لدينا هنا مشكلة كبيرة في توفيره. نحن نعتمد على الآبار الجبلية، لكنها لا تكفي دائمًا. في الأيام الجافة، يصبح الأمر مأساويًا نضرا لانخفاض منسوب المياه. ولم تكن هذه أصعب المشاكل التي واجهناها هذا الصيف، فحرق الغابة هو الكابوس الأكبر لكل سكان المنطقة ويجب على الجهات المسؤولة توفير الحلول المناسبة في أقرب فرصة.
مقترحات الحلول حول التغيرات المناخية وكيفية توفر مياه الشرب
بعد الزيارة إلى منطقة ملولة والحديث مع عدد من السكان فكرنا في تقديم محاولة تفكير أولية في المشاكل التي شهدنها، وقد اعتمدنا في تقديم مقترحات الحلول على عدد من خبراء أساتذة معهد علوم المراعي والغابات بطبرقة نظرا لتمكنهم العلمي ومعرفتهم الجيدة بخصوصيات غابات جبال خمير. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن طبيعة المقال الصحفية لا تسمح بمزيد الغوص والبحث فيما هو علمي تقني.
- تحسين البنية التحتية المائية: يجب على الحكومة الاستثمار في تطوير وصيانة الآبار والآبار الجبلية والبنية التحتية المائية بشكل عام. هذا يشمل تقديم التمويل والتكنولوجيا اللازمة لضمان توفير مياه نظيفة وآمنة للمناطق الريفية.
- تعزيز الكفاءة في استخدام المياه: يجب تشجيع ممارسات فعالة لاستخدام المياه في المنازل والزراعة والصناعة. ذلك يمكن أن يتضمن تحسين نظم الري وتعزيز الوعي بأهمية توفير المياه.
- تشجيع استخدام الطاقة المتجددة لإيجاد مصادر بديلة لمياه الشرب: يمكن تقليل الضغط على مصادر المياه التقليدية من خلال تشجيع استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لمحطات تحلية المياه.
- زيادة الوعي بتغير المناخ: يجب توعية السكان بأثر تغير المناخ وكيف يمكنهم التحضير لهذه التحديات، بما في ذلك تقديم التدابير الوقائية من الحرائق، كما من الضروري تعزيز قدراتهم على تنويع مصادر الدخل من أجل تفادي الاتكال الكامل على الموارد الطبيعية التي أصبحت تتميز بهشاشة كبيرة في هذه المناطق.
- دعم المشاريع الزراعية المحلية: يمكن دعم الزراعة بمشاريع تعزز استدامة استخدام المياه وتحسين إنتاج المحاصيل.
- تعزيز التشريعات والسياسات: يجب على الحكومة وضع سياسات وتشريعات تدعم استدامة موارد المياه وتحفيز الاستثمار الرشيد في هذا القطاع.
وفي الختام، يمكن تقديم المقترحات التالية للتعامل مع حرائق الغابات، والتي يبقى الدور الأكبر لمصالح الغابات في تفعيلها:
تعزيز التوعية بأخطار حرائق الغابات والتدريب والتعليم حول كيفية التصرف في حالة حدوث حرائق خاصة لسكان القرى الجبلية في منطقة خمير.
- تحسين رصد الحرائق وإعداد خطط إجلاء استباقية.
- تطوير البنية التحتية لمكافحة الحرائق وتعزيز مناطق وقف النيران (coupe-feu)
- التنظيم والتعاون بين الجهات المعنية وسلطة الاشراف والعمل على مراجعة مجلة الغابات لكونها أهم نص تشريعي ينظم قطاع الغابات ويسهر على حماية وديمومة هذه المنظومة.
- تشجيع البحث والتطوير العلمي من أجل مجابهة التغيرات المناخية
- استخدام تقنية الحرائق الاصطناعية لتنظيف الغابات وتقليل تجمعات المواد الجافة أو ترك مجال أوسع للرعي الذي يساهم في تنظيف الغابات من الأوراق والحشائش الجافة.