الحق في الصحة زمن الكوفيد-19, عدم المساواة تفضي إلى الموت والمعاناة

لقد شكلت الأزمة الوبائية رجّة للعالم بأسره.فقد الآلاف حياتهم، ودمرت اقتصاديات بأكملها وأغلقت حدود

 وصار نمط العيش والتنظم الاجتماعي في مرمى السؤال.استجابت الحكومات والدول بطرق متعددة ومتنوعة لكنها سعت جميعا تحت وطأة الضرورة العاجلة إلى إنقاذ حياة الناس. وأثبتت الأزمة الناجمة عن الوباء الأهمية القصوى لحق كل فرد في الحماية الصحية’ كما كشفت النتائج المأساوية للانهيار المتواصل للسياسات العمومية ومنها تلك المتعلقة بالصحة والأثر العميق لعدم المساواة على نجاعة الإجراءات المتخذة في مواجهة الطارئ الصحي.

 

ولم تشذ تونس على هذه المعاينة المفزعة. فإذا كانت قد نجت نسبيا من آثار الوباء في 2020، فقد مثلت سنة 2021 انهيارا تحت وطأة الكوفيد-19، إذ انتشر الفيروس و سلالاته المتعددة بشراسة وشهدت البلاد تصاعدا في عدد الضحايا، و أمام نظام صحي هش استبد الخوف بالجميع، وواجهت السلطة القائمة اتهامات بالتراخي و سوء إدارة الأزمة. فبرزت الاحتجاجات الشعبية من جديد رغم إجراءات الحجر الصحي والقمع الذي رافق تلك الاحتجاجات[1].

أمام هذا الإقرار المرير، يسعى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بدعم من الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إلى تحليل كافة أوجه هذه الأزمة الصحية وأسبابها العميقة وتداعياتها على الفئات الأكثر هشاشة. وهنا تبرز الأهمية البالغة للصكوك الدولية المتعلقة بالحق في الصحة فهي تمثل إطارا جيدا لتجويد فهمنا لتخلي الدولة التونسية عن التزاماتها وتداعيات ذلك على حياة المواطنين. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن الدولة التونسية تعترف بمقتضى الفصل 38 من دستور 26 جانفي 2014 بمسؤوليتها على ضمان “الوقاية والرعاية الصحية” للجميع، وعليها تبعا لذلك أن توفر “الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية. تضمن الدولة العلاج المجاني لفاقدي السند و لذوي الدخل المحدود. وتضمن الحق في التغطية الاجتماعية طبق ما ينظمه القانون”.

على الصعيدين الإقليمي والدولي، صادقت تونس على عدة صكوك تثبت الحق في الصحة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية و الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الذي تنص المادة 16 منه على أن “لكل شخص الحق في التمتع بأفضل حالة صحية بدنية و عقلية يمكنه الوصول إليها. تتعهد الدول الأطراف في هذا الميثاق باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة شعوبها وضمان حصولها على العناية الطبية في حالة المرض”.

على قاعدة هذه الالتزامات القانونية تكون تونس ملزمة باحترام الحق في الصحة. وتبعا لذلك لا يحق لها أن تمنع الانتفاع بالتجهيزات الصحية على أسس تمييزية. وهي مدعوة أيضا إلى حماية الحق في الصحة باتخاذ التدابير اللازمة ومنها، مثالا لا حصرا، مراقبة الأدوية المتداولة في البلاد التي يروجها مزودون عموميون أو خواص. إن تونس ملزمة كذلك بوضع الحق في الصحة حيز التنفيذ بما يعني مسؤوليتها في تيسير ممارسته بإطلاق حملات تلقيح تستهدف جميع الأطفال[2].

حددت الهيئات الدولية حواف الحق في الصحة. وفي هذا الإطار تؤكد المنظمة العالمية للصحة على أن “المقاربة المبنية على حقوق الإنسان تهدف إلى جعل السياسات والاستراتيجيات والبرامج المعتمدة تؤدي تدريجيا إلى تمتع الجميع بالحق في الصحة”[3]. إن هذه المقاربة “توفر استراتيجيات وحلول لمواجهة وتذليل عدم المساواة والممارسات التمييزية وموازين القوى غير العادلة وهي عوامل الحيف على مستوى النتائج الصحية”[4].

إن التدخلات الرامية إلى بلوغ هذه الغاية تحترم جملة من المبادئ والمعايير المضبوطة التي جردتها المنظمة العالمية للصحة ومنها عدم التمييز والتوافر وإمكانية الوصول والمقبولية والشمولية[5]. واعتمادا على المرجعية الدولية لحقوق الإنسان والمعايير المعتمدة من طرف هيئات الأمم المتحدة، ومن خلال فصل تمهيدي يضع جائحة كوفيد-19 في بيئة متسمة بالتفاوت الفادح الذي تعاني منه تونس منذ عقود وكان وراء اندلاع ثورة 2011، تنكب الأجزاء الثلاثة الأولى على تفكيك التفاوت الاقتصادي والجغرافي المتصل بالنظام الصحي التونسي من خلال كشف آثار هذا التفاوت وآثار الفساد على الفئات الأكثر هشاشة ومنها النساء والمهاجرون/ات. وهو تحليل يتيح قراءة كلية لتبعات تفصي الدولة من التزاماتها في المجال الصحي وينفتح على آفاق وفرص الإصلاح.

هذه الدراسة هي مؤلف جماعي يحمل عنوان “الحق في الصحة زمن الكوفيد-19, عدم المساواة تفضي إلى الموت والمعاناة”. وقد أشرف على تنسيق هذا العمل ماهر حنين، الفيلسوف وعالم الاجتماع والعضو بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو يحتوي على تسع مداخلات حررها الخبراء/الخبيرات والباحثون/الباحثات ريم حلواس غربال ومحمد بن صالح و منصف بالحاج يحيى و شرف الدين اليعقوبي و سفيان جابلله و حبيبة بن رمضان و سيرين العكريمي و فاتن مبارك و سيرين بن سعيد الصفار. هم/هن نخبة تتمتع بخبرات متعددة ومتكاملة كما أن جميعهم/هن منخرطون/ات في مسار تطوير الحق في الصحة والدفاع عنه بالصيغة التي تضمنها المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

[1] https://www.fidh.org/fr/regions/maghreb-moyen-orient/tunisie/tribune-solidarite-internationale-avec-le-mouvement-social-de-la

[2] https://www.ohchr.org/Documents/Publications/FactSheet33fr.pdf

[3] https://www.who.int/fr/news-room/fact-sheets/detail/human-rights-and-health

[4] https://www.who.int/fr/news-room/fact-sheets/detail/human-rights-and-health

[5] عدم التمييز:مبدأ عدم التمييز يضمن التمتع بحقوق الإنسان بدون  أي تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو العجز البدني أو العقلي، أو الحالة الصحية (بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، أو الميول الجنسية، أو المركز المدني أو السياسي أو الاجتماعي أو مركز آخر .

التوافر:  ينبغي أن تتوفّر المرافق والسلع والخدمات والبرامج المرتبطة بالصحة العامة والرعاية الصحية بالقدر الكافي.

إمكانية الوصول: ينبغي أن يتمتّع الجميع، بدون تمييز، بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة. وتتسم إمكانية الوصول بأربعة أبعاد متداخلة هي عدم التمييز، و إمكانية الوصول المادي، و الإمكانية الاقتصادية، و إمكانية الوصول إلى المعلومات.

المقبولية: إن جميع المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة ينبغي أن تكون مناسبة ثقافيا، أي أن تحترم ثقافة الأفراد، والأقليات، والشعوب، والمجتمعات، وأن تراعي متطلبات الجنسين ودورة الحياة.

الجودة: ينبغي أن تكون المرافق والسلع والخدمات المرتبطة بالصحة مناسبة علميّا و طبيّا وذات نوعية جيدة.

تحميل المسؤولية: ينبغي على الدولة والهيئات المسؤولة أن تقدّم تقارير عن مدى احترامها لحقوق الإنسان

الكونيّة: حقوق الإنسان كونيّة وغير قابلة للتجزئة وينبغي أن يتمتّع بها الجميع دون استثناء وفي كلّ أنحاء العالم..

 

Download (PDF, 2.24MB)

تسجيل الدخول إلى Al-Forum

أنشئ حسابك

نحن نستخدم كوكيز

نحن نستخدم ملفات الكوكيز لجعل تجربتك أفضل