أزمة عقارب: وزارة البيئة بين المواقف الارتجالية والقوانين غير المفعلة
منيارة المجبري (قسم العدالة البيئية)
” أحقية كل مواطن بالتمتع والعيش في بيئة سليمة باعتباره حق دستوري وكوني” هذا ما ورد في بيان وزارة البيئة على إثر الزيارة الميدانية التي أدتها وزيرة البيئة إلى ولاية صفاقس وإلى مصب القنة بعقارب بتاريخ 27 أكتوبر 2021.
استبشر أهالي عقارب بهذه الزيارة وظهر بصيص من الأمل لديهم من أجل بلوغ حقهم في بيئة سليمة وصحية. وتأتي هذه الفرحة بعد معركة طويلة خاضها أهالي عقارب من أجل المطالبة بحقهم الدستوري والشرعي في بيئة سليمة، من خلال طرق مختلفة عن الأسلوب المعتاد والتقليدي حيث استغلوا الثقافة والفن والقانون والتقاضي من أجل تبليغ مطالبهم إلى السلط الجهوية والمركزية.
وتكون في مرحلة أولى حراك “منيش مصب “ الذي تم تسليط الضوء من خلاله على مشكلة مصب القنة وآثاره البيئية والصحية على الأهالي. وتجدر الإشارة أن المصب أحدث منذ سنة 2008، وهو ثاني أكبر مصب بالبلاد التونسية بعد مصب برج شاكير حيث يمسح 35 هكتار. ووثق نشطاء حراك منيش مصب جميع الانتهاكات التي تطالهم من خلال فيديوهات وصور فوتوغرافية وكاريكاتورية وتحركات احتجاجية لينتقلوا فيما بعد إلى مرحلة التقاضي وذلك برفع قضية ضد الديوان الوطني للتطهير والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. تم إنصاف الأهالي وذلك بصدور القرار القضائي بغلق مصب القنة نهائيا بتاريخ 11 جويلية 2019، استنادا إلى الفصل 45 من الدستور التونسي الذي ينص على ما يلي “تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.” وتعتبر هذه القضية الأولى من نوعها التي يحكم فيها القضاء لمصلحة البيئة، إلا أن هذا القرار لم يطبق من قبل المعنيين وعلى رأسهم الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات. مما دفع الأهالي إلى التحرك مجددا للمطالبة بتفعيل القرار من خلال التحرك الميداني والاعتصامات. وكحركة تصعيدية تم في شهر ستمبر 2021إغلاق الطريق ومنع وصول شاحنات النفايات إلى مصب القنة مما أدى إلى تراكم النفايات في كامل ولاية صفاقس لتعيش أزمة نفايات تمتد منذ أشهر، حيث انتشرت النفايات في كل مكان وانتشرت معها الروائح الكريهة. ولجأ بعض المتساكنين إلى عملية حرق النفايات التي ساهمت في تأزم الوضع الصحي بسبب الدخان علما وانه يحجر حرق الفضلات في الهواء الطلق ولا تتم عمليات الإزالة بالحرق إلا في منشآت مرخص فيها حسب القانون عدد 41 لسنة 1996 المتعلق بالنفايات وبمراقبة التصرف فيها وإزالتها.
وزارة تتراجع عن رأيها في أقل من أسبوع: تعامل الدولة الارتجالي مع ملف النفايات بصفاقس
خلال زيارتها إلى ولاية صفاقس، أكدت وزيرة البيئة على أحقية أهالي عقارب في بيئة سليمة وصحية ودعت إلى تكوين لجنة جهوية تضم مختلف الأطراف المعنية لتشخيص واختيار بعض المواقع الوقتية التي يمكن استغلالها وتحديد الإجراءات والاحتياطات الوقاية الصحية والبيئية من أجل حماية المناطق المحيطة. كما قامت الوزارة بنشر بيان على صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي يصف الوضعية البيئية[1] في ولاية صفاقس ومصب القنة ، و يؤكد على أن الحلول المقترحة سوف تكون في إطار مقاربة تشاركية ، إلا أنها تراجعت عن رأيها في أقل من أسبوع بإصدار بلاغ[2] بتاريخ 8 نوفمبر 2021 ،تعلن فيه عن استئناف نشاط المصب المراقب القنة بعقارب باعتباره مرفقا عموميا وذلك للحد من المخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية بالولاية ومن أجل الإيفاء بالتعهدات مع الشركة المستغلة للمصب ” ECOTTI”،متجاهلة بذلك القرارين القضائي والبلدي القاضيين بغلق المصب و أحقية أهالي عقارب في بيئة سليمة وصحية ،هذا إضافة إلى بلوغ الطاقة القصوى لاستعاب النفايات من قبل المصب.
ساهم عدم إيجاد حل سريع لهذه الأزمة من قبل السلطة الجهوية والوطنية ومحاولة المرور بقوة عن طريق إعادة فتح المصب في زعزعة السلم الاجتماعي بولاية صفاقس وبث التفرقة بين الأهالي، بين رافض لإعادة فتح المصب ومن يدعو إلى عودة استقبال النفايات به. ومع تفاقم الوضع البيئي بعد أكثر من شهرين من تراكم النفايات، تقدم البعض بشكاية ضد بلدية صفاقس بسبب التلوث الناجم عن عدم رفع الفضلات مما انجر عنه تداعيات بيئية وصحية على المتساكنين. كما تواترت التصريحات من القائمين على الملف صلب وزارة البيئة وتردد أنه من الممكن نقل المصب إلى بلدية مجاورة، مما انجر عنه اندلاع الفتنة بين الأهالي وبروز حراك معادي لمنيش مصب.
بعد سنوات من الاستغلال للمصب لم يراعى فيها الآثار الجانبية على ظروف عيش أهالي عقارب وصحتهم، دفعت هذه الأزمة البيئية بجميع بلديات صفاقس والمؤسسات المعنية والمجتمع المدني للبحث عن حل توافقي يرضي جميع الأطراف فتعددت بذلك الجلسات وانبثق عنها عدم فتح مصب القنة والتوجه نحو الفرز الانتقائي على مستوى مراكز تجميع بالبلديات. إلا انه إلى حد الآن لم تنطلق أي بلدية في عملية الفرز الانتقائي من أجل تقليص كمية النفايات المتجهة إلى المصب وهو ما يطرح تساؤلا حول جدية الاقتراحات المطروحة وجدوى هذه اللقاءات إذا لم يتم تفعيل مخرجاتها على أرض الواقع. وبذلك تم التوجه نحو إعادة فتح مصب القنة واستئناف نشاطه كحل وقتي، إلا أن أهالي عقارب تصدوا لهذا القرار ليتم التوجه إلى إعادة فتح المصب القديم بالميناء رغم ما يشكله هذا الأمر من تهديد بيئي.
وساهم قرار وزارة البيئة في 8 من شهر نوفمبر في تأجيج الأوضاع واشتعال شرارة الاحتجاجات في عقارب ، ليدخل أهالي عقارب والأمن في مواجهة عنيفة نتجت عنها وفاة عبد الرزاق لشهب وعدة حالات اختناق في صفوف الأهالي جراء كثافة الغازات التي غطت مدينة عقارب ، مما ساهم في تأجيج الأوضاع أكثر وغلق الطرقات المؤدية لمدينة عقارب .أما المصب فتمت إحاطته بالأمن من كل جهة من أجل تأمين دخول الشاحنات إليه وهو ما ساهم في غضب الأهالي، ليكون بذلك المصب ساحة حرب بين الأمنيين والأهالي الرافضين لهذه الإجراءات وعدم احترام الدولة لحقوقهم خاصة أنهم يعانون ويلات المصب صحيا ، علما وانه في 2019 توفيت الشابة أمال بن إبراهيم في عمر الزهور (21 سنة) بسبب لدغة بعوضة سامة.
مع تأزم الوضع البيئي والأمني بمدينة عقارب، أستدعى رئيس الجمهورية ممثلين عن حراك منيش مصب للحوار وإيجاد حل، حيث طالب نشطاء الحراك في هذا الاجتماع بغلق المصب نهائيا وسحب قوات الأمن من مدينة عقارب وإطلاق سراح جميع الموقوفين وفتح تحقيق في وفاة عبد الرزاق الأشهب والشابة آمال. وعلى إثر هذا الاجتماع أمر رئيس الجمهورية بانسحاب القوات الأمنية من المنطقة ولكنه لم يقدم أي وعود بخصوص الوضع البيئي وغلق المصب. وأكد في نفس السياق أنه سيكون هناك اجتماع مع وزيرة بالبيئة بحضور نفس الوفد من الأهالي وانه سيقع التمشي نحو غلق المصب نهائيا. وفي الاجتماع الثاني الذي كان يوم 16 نوفمبر 2021 بحضور جميع الأطراف تشبثت وزارة البيئة والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات برأيهما من أجل مواصلة استغلال مصب القنة إلى موفى سنة 2022 خاصة وأنه المصب المراقب الوحيد في ولاية صفاقس، وهو ما رفضه ممثلو حراك منيش مصب والأهالي ليتم فيما بعد إحالة الملف إلى وزارة الشؤون الاجتماعية[3] بعد فشل وزارة البيئة في إدارته. وبتحول المفاوضات الى وزارة الشؤون الاجتماعية، اقترح الوزير على نشطاء حراك منيش مصب استغلال مصب القنة لمدة 14 يوما لرفع النفايات بولاية صفاقس ومن ثم غلقه نهائيا وهذا ما رفضه حراك منيش مصب واقترحوا كبديل تجميع النفايات في مكان آخر كمنطقة تابعة لأراضي الدولة وبعيدة عن المناطق السكنية. وتم أخذ هذا الاقتراح بعين الاعتبار من قبل الأطراف المعنية للتواصل بعدها جلسات العمل الوزارية بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة البيئة ووزارة التجهيز والإسكان [4] من أجل النظر في الاقتراحات وإيجاد حل لأزمة النفايات بصفاقس. وتم التوصل في نهاية الأمر إلى تحديد موقع جديد لتجميع النفايات تم التوافق حوله بين جميع الأطراف والتوجه بذلك إلى الغلق النهائي لمصب القنة بعقارب بعد القيام بتهيئة واستصلاح الموقع.
مصب جديد فهل ستعتمد وزارة البيئة نفس التقنيات الكلاسيكية أما انها سوف تتجه بالفعل نحو التثمين؟
جعل تواصل أزمة النفايات الاتحاد الجهوي بصفاقس يعلن عن إضراب عام في الولاية بتاريخ 10 ديسمبر 2021 إلا أنه تم تأجيل الإضراب بعد اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير منها الاتفاق على رفع النفايات[5] بداية من يوم 8 ديسمبر2021 .هذا وأصدرت وزارة البيئة بلاغا[6] بخصوص هذا الشأن وذكرت انه “على إثر التنسيق بين مختلف الوزارات المعنية على غرار وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الداخلية، وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري ووزارة التجهيز والإسكان تعلن وزارة البيئة عن اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير لتحسين الوضع البيئي في ولاية صفاقس، ومن بينها الانطلاق في إنجاز أشغال التهيئة المتعلقة بقبول النفايات المتأتية من ولاية صفاقس إلى الموقع المحدد من طرف السلط الجهوية مع الحرص على الشروع في الإجراءات والتراخيص الجاري بها العمل بالتنسيق مع الجهات المحلية علما وأن وزارة البيئة تتجه نحو رسكلة وتثمين النفايات عبر الشراكة مع القطاع الخاص” .
فهلّ أن الوزارة سوف تنتقل فعليا نحو الرسكلة والتثمين كما ينص عليه هذا البلاغ أم أنه كغيره من التصريحات مجرد خطاب سياسي ووعود دون تطبيق. أما بالنسبة للمصب الجديد المزمع إنشاؤه على ارض دولية، فهل أن الوزارة ستتبع نفس التمشي أم أنها ستغير من تقنياتها في التصرف في النفايات ليكون بذلك هذا المصب الجديد نقطة الانطلاق الفعلية للفرز الانتقائي وتثمين النفايات الصلبة؟
مناصرة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لاهالي عقارب في حقهم في بيئة سليمة
تمثل دور المنتدى أساسا في مساندة شباب حراك منيش مصب للتعريف بالقضية وإنارة الرأي العام والحشد من اجل توسيع دائرة الحلفاء من منضمات وجمعيات تعنى بالجانب البيئي وتدافع عن الحقوق البيئية بالإضافة إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. كما ساهم في توجيه وتأطير الحركات الاجتماعية السلمية ومساندتها من خلال البيانات الموجهة للسلطة لتحميلها المسؤولية على غرار البيان الصادر بعد وفاة الشابة أمال والذي جاء تحت عنوان “تضامنا مع عقارب”[7] وكان حاضرا في الجلسات، كما ساند أعضاء حراك “منيش مصب” ضد التهديدات التي طالتهم منددا بهذه الممارسات الغير مقبولة ومذكرا بضرورة حماية جميع المناصرين لحقوق الإنسان وجاهزيته لتوفير الدعم اللازم لهم.[8]
وتواصل دعم المنتدى لأهالي عقارب خاصة في الأحداث الأخيرة حيث قام بزيارة ميدانية بتاريخ 10 نوفمبر 2021، ليقف بجانب الأهالي ميدانيا وأصدر بيانات بخصوص الأوضاع[9][10] كما قام بالتنسيق مع نقابة الصحافيين لتنظيم ندوة صحفية لنشطاء حراك منيش مصب بتاريخ 11 نوفمبر 2021تمكنوا من خلالها من إيصال أصواتهم ومركزية القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام خاصة وأن مشكل النفايات يشملنا جميعا.
ويعمل المنتدى من خلال دعمه لحراك منيش مصب على ترسيخ جملة من الحلول والمقترحات لحل الأزمة على المدى القريب والبعيد بعقارب وللنهوض بالسياسة الوطنية للتصرف في النفايات بصفة عامة. وعليه فإن المنتدى:
- يدعو هياكل الدولة إلى احترام القرار القضائي القاضي بغلق مصب القنة منذ تاريخ 11 جويلية 2019، واحترام أحقية أهالي عقارب وأهالي صفاقس في بيئة سليمة وصحية وتحمل الدولة مسؤوليتها للتسريع في حل هذه الأزمة.
- يندد بالمعالجات الأمنية للمطالب الاجتماعية المشروعة والتي لا تزيد الوضع الاجتماعي والسياسي إلا تعقيدا
- يشدد على ضرورة معالجة النفايات المجمعة في مراكز التجميع من خلال عملية الفرز وذلك للتقليص من كمية الفضلات وحتى تتحمل كل بلدية مسؤوليتها في حل هذا المشكل البيئي الوطني وتنخرط فعليا في عملية الفرز على مستوى مراكز التجميع، مع اختيار موقع يتم الاتفاق عليه من قبل جميع الأطراف المتدخلة.
- العمل على تأهيل قطاع التصرف في النفايات في تونس ووضع إستراتيجية وطنية بالشراكة مع المجتمع المدني مع القطع مع المنظومة الكلاسيكية في التعامل مع النفايات والسعي نحو ادماجها في التنمية المستدامة.
- وجوب العمل على صياغة مجلة بيئية تتضمن كل القوانين المتعلقة بهذا المجال مع تخصيص باب للتصرف في النفايات، وذلك من أجل تكريس العدالة البيئية.
- يذكر بان عدم جدية تعامل هياكل الدولة مع الشأن البيئي والتمادي في اعتماد تقنية الردم دون الانتقال الفعلي نحو تثمين النفايات سيساهم في توالي الأزمات البيئية واتساع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية وهو ما يهدد السلم الاجتماعي ويضرب عرض الحائط حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية.
[1]https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=4399659593444969&id=797171577027140
[2]https://www.facebook.com/photo/?fbid=193666099603621&set=a.190596259910605
[3] https://www.facebook.com/infos.social.tn/posts/262044755951634
[4] https://www.facebook.com/infos.social.tn/posts/268130842009692
[5]https://www.facebook.com/Gouvernorat.Sfax/posts/213812260923052
[6]https://www.facebook.com/photo?fbid=212490994387798&set=a.190596249910606
[8]https://ftdes.net/ar/agareb-harcelement-et-menaces-contre-les-defenseurs-du-droit-a-un-environnement-sain/#_ftn1