برج الصالحي : مظلمة دولة في حق مواطنيها
تعيش منطقة برج الصالحي من معتمدية الهوارية ولاية نابل حالة من الاحتقان والتوتر وسلسلة من التحركات الاحتجاجية التي نفذها الأهالي بعد أن دخلت المنطقة في حالة ظلام دامس وانقطاع للكهرباء منذ يوم 14 سبتمبر على إثر سقوط صاعقة رعدية خلفت عطبا في الخزان الكهربائي الرئيسي للمنطقة. ورغم محاولات الأهالي ولجوئهم الى السلط الجهوية والمحلية لفض الإشكال إلا أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز أصرت على عدم إصلاح العطب وإرجاع الكهرباء قبل خلاص الفواتير المتخلدة بذمتهم وهي ليست المرة الأولى التي يقع فيها قطع الكهرباء على المنطقة.
ولئن بدت قضية أهالي برج الصالحي في ظاهرها قضية تهرب مواطن من خلاص استهلاك الكهرباء لسنوات، مثلما روجت لها الحكومات المتعاقبة والستاغ[1]، إلا أن تاريخها يروي مظلمة دولة في حق مواطنيها تعود جذورها إلى ما قبل الثورة وبالتحديد إلى سنة 2000 حيث استغلت الشركة الوضعية الاجتماعية والاقتصادية وحالات الإعاقة السمعية لعدد كبير من الأهالي باعتبار كثرة عدد الصم في المنطقة وحالة الفقر والهشاشة وتعطّش الأهالي إلى تحسين ظروفهم المعيشية ليتم إبرام عقود كراء لمدة 30 سنة تبين أنها عقود إذعان لأصحاب الأراضي اضطروا حينها للتفويت في أراضيهم بمبالغ زهيدة لتركيز مشروع محطات توليد الطاقة الكهربائية مقابل وعود بالتنمية والتشغيل وتحسين وضعية البرج.
وعود لم يتحقق منها شيء وظلت المنطقة على حالها تشكو التهميش والفقر والأمراض النفسية الناجمة، حسب عدد من الأطباء، عن الضجيج. كما أن حياة الكثيرين في المنطقة باتت مهددة نظرا لقرب المراوح من منازلهم وعدم احترامها للمسافة القانونية وللمواصفات المنصوص عليها في كراس شروط المشروع ولأحكام القانون عدد 12 لسنة 2015 وخاصة للفصل 32 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة والذي ينص على ضرورة احترام منتج الكهرباء للشروط المتعلقة بإنجازها وصيانتها وللشروط العامة في علاقة بسلامة وحماية المحيط والوقاية من أخطار الحريق والانفجار. كما يضبط الأمر الحكومي عدد 1123 لسنة 2016 شروط وإجراءات انجاز مشاريع إنتاج وبيع الكهرباء من الطاقات المتجددة ويلزم أصحابها بنفس الشروط المذكورة في القانون عدد 12 لسنة 2015. وتجدر الإشارة إلى ان محطة توليد الطاقة الكهربائية بالرياح بسيدي داود تم تركيزها منذ سنة 2000 بطاقة إنتاج للكهرباء تقدر ب 54 ميغاوات وعرفت توسعة أولى سنة 2003 وثانية سنة 2009. وقد شهدت المنطقة سقوطا لبعض المراوح سنة 2018 [2]ولحسن الحظ لم تخلف أضرارًا بشرية علما وان المسافة الفاصلة بين بعض المنازل والنواعير الهوائية لا تتجاوز الـ20 مترا، كما انها تعرف بجاذبيتها للصواعق[3]..
ان المظلمة التي تتعرض إليها منطقة برج الصالحي والتي تتمثل في الاستحواذ على الأراضي بمبالغ زهيدة وبعقود إذعان وتخويف، واستغلال حالة الصمم لدى عدد كبير من الأهالي آنذاك بداعي عدم سماعهم لضجيج المراوح واستضعافهم ونكث الشركة لتعهداتها، دفع الأهالي للقيام بسلسلة من التحركات الاحتجاجية منذ سنوات اتخذت هذه المرة أشكالا تصعيدية في محاولة للفت أنظار السلطات المعنية وإنصافهم رغم ما يتعرضون إليه من مضايقات وترهيب لدفعهم إلى التنازل عن حقوقهم.
وفي الأثناء يتواصل غياب المشاريع التنموية ومواطن الشغل بالمنطقة رغم الوعود التي قدمت للأهالي على مدى العقدين مقابل تركيز المشروع. كما أن البنية التحتية بقيت على حالها من السوء ولم يتمتع الأهالي بمجانية الكهرباء كما وعدوا به عند انطلاق المشروع. كل هذا دليل على عدم جدية الدولة في تعاطيها مع هذا الملف وتخليها عن دورها في حماية حقوق الإنسان وكرامته. كما تواطأت السلطات الجهوية والمحلية مع الشركة الوطنية للكهرباء بصد أبوابها أمام المحتجين وبالتغاضي عن الوعود التي أخلت بها الستاغ تجاه المنطقة في استخفافها بقانون المسؤولية المجتمعية عدد 35 لسنة 2018. وعليه يتواصل الوضع المعيشي المتردي للأهالي وعدم قدرتهم على خلاص الفواتير في ظل مورد رزق يقتصر على نشاط فلاحي بسيط وصيد بحري تحتكره شركة تن سيدي داود.
ولذلك، وبعد أن تلقى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تشكيات من مواطنين ونشطاء مجتمع مدني بجهة نابل، ومن منطلق إيمانه بمشروعية الحقوق التي ينادي بها أهالي برج الصالحي ودفاعه على حقوق الإنسان عامة فانه:
-
يدعو كل الأطراف المعنية والسلطات الجهوية والأهالي إلى الجلوس على طاولة الحوار لفض الإشكال وإيجاد صيغة تشاركية لتمتيع الأهالي بالكهرباء سيما وأننا في بداية العودة المدرسية ولا يمكن أن تستمر القرية في الظلام لفترة أطول.
-
يطالب بضرورة مراجعة العقود والاتفاقيات المبرمة مع الأهالي وتحديد المسؤوليات وجبر الضرر الحاصل لسكان المنطقة منذ تركيز المشروع.
-
يذكر بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات تجاه المنطقة وبحق الأهالي في التنمية المستدامة وفي البيئة السليمة وفي العيش الكريم.
-
يدين التعامل اللاإنساني مع وضعية الإعاقة السمعية التي يحملها عدد من الأهالي واتخاذها مطية لتركيز المشروع دون أي احترام لحقوق الإنسان بقطع النظر إن كان حاملا لإعاقة أم لا واستغلال هشاشة الأهالي عوضا عن تمتيعهم بحقهم في التمييز الايجابي.
-
يساند أهالي برج الصالحي في تحركاتهم السلمية وفي مطالبهم المشروعة ويحذر من التعاطي الأمني مع احتجاجاتهم قصد قمعهم وترهيبهم.
-
يجدد دعمه وإسناده لكل الحركات الاجتماعية مذكرا بحق كل مواطن في الاحتجاج السلمي وفي التعبير عن رأيه.
-
يدعو كل مكونات المجتمع المدني الجهوية والوطنية والإعلام إلى الالتفاف حول قضية أهالي برج الصالحي ووقف الانتهاكات ضدهم وتمكينهم من استرجاع حقوقهم المنهوبة.
قسم العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
[1] http://www.sawt-achaab.tn/24943/?fbclid=IwAR25ACKE7HYGIfJ4NEpvvnwkHGNVuGB9uGzgJHNMUqypDLbv3q9PLyLN4mI
[2] https://www.tuniscope.com/article/145955/actualites/societe/haouria-324123
[3] https://www.mto.com.tr/single-post/Protection-contre-la-foudre-pour-les-eoliennes