بين رأس المال والفلاح
الماء في برقو…صراع بين الاستثراء والبقاء
تعود اطوار هذه القضية إلى شهر فيفري 2023 بعد حصول مستثمر على رخصة بحث وتنقيب عن المياه الجوفية في جهة البحيرين من ولاية سليانة والانطلاق في الاشغال لإحداث وحدة لتعليب المياه المعدنية. إلا ان الأهالي احتجوا ضد هذا المشروع بطريقة سلمية بما انه سيخلف عدة أضرار على الفلاحة التي تعتبر مصدر رزقهم وأمنهم الغذائي سيما في ظل ما تعيشه البلاد التونسية من جفاف إضافة الى أن هذه الوحدة ،التي ستكون الثالثة في برقو، ستُفاقم من استنزاف المائدة المائية خاصة وان معمل المياه المعدنية “مالينا” المنتصب بالجهة منذ سنة 2005 قد تسبب في نضوب عديد الابار والعيون الطبيعية.
المقاربة الأمنية وتجريم الحراك البيئي
احتجاجا على هذه المظلمة، قام أهالي برقو بتحركات ميدانية مختلفة بدءا بمعاينة الاضرار على عيون المياه والاشجار عن طريق عدل منفذ ومن ثم الالتجاء إلى الاشتباك القانوني عن طريق تقديم شكاية إلى المحكمة الإدارية بسليانة من أجل سحب الرخصة من المستثمر. كما قاموا بالتواصل مع السلط المحلية والجهوية والوطنية إلا أن مطالبهم قوبلت بالتجاهل.
و على إثر رفض الأهالي وقيامهم بتحركات احتجاجية، وجهت لهم تهم مختلفة منها “الاعتداء المدبر ضد حركة الجولان” في حق 11 شخصا وتهمة ” الانضمام إلى جمع من شأنه ازعاج راحة العامة وكان القصد منه ارتكاب جريمة وتعطيل حرية عمل باستعمال التهديد” وجهت لــــــــــــ 17 شخصا. كما تم إيقاف 4 أشخاص لمدة 9 أيام ليتم إطلاق سراحهم في 16 مارس 2023 بعد أن أمرت المحكمة الابتدائية بسليانة بإطلاق سراحهم وتعيين جلسة بتاريخ 22 جوان 2023 لإصدار الحكم والتي بدورها تأجلت إلى شهر ديسمبر.
ومواصلة في سياسة الهرسلة والتخويف التي تم اتباعها لردع الأهالي وعلى إثر طعنهم في قانونية الرخصة التي يقوم بموجبها المستثمر بالتنقيب عن المياه تم يوم 6 جويلية استدعاء 12 منهم إلى فرقة الأبحاث بعد أن قدم هذا الأخير شكوى ضدهم. وبالتوازي قدم رؤساء المجامع المائية بالبحيرين إستقالة جماعية إلى والي سليانة كحركة تصعيدية بعد عدم تجاوب السلط الجهوية مع مطالبهم وعدم مساندتهم في تحركاتهم.
أزمة مائية خانقة تقابلها سياسات غير ناجعة
تعيد قضية البحيرين الى السطح الجدل القائم حول السياسة المائية في تونس ومدى نجاعتها خاصة امام شبح الجفاف الذي يهدد البلاد التونسية في امنها المائي والغذائي منذ سنوات والذي أصبح حقيقة نعيشها اليوم مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية. وتظل سياسة وخيارات وزارة الفلاحة ارتجالية وغير حكيمة فهي من جهة ترفض مطالب الفلاحين بإحداث آبار عميقة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من نشاطهم بدعوى استنزاف المائدة المائية ومن جهة اخرى تمنح رخصا لحفرآبار لاستخراج وتعليب المياه لأغراض صناعية وتجارية. ونتساءل هنا الى جانب الاهالي عن معايير اسداء رخص التنقيب ومدى نزاهتها عندما يتم قبولها لأغراض صناعية تتطلب كميات كبيرة من المياه وتُرفض للاستغلال الفلاحي المضيق؟ وأمام تواصل سياسة الكيل بمكيالين التي تحرم مواطني الجهة من مزاولة نشاطهم الفلاحي وتهدد مورد رزق متساكني المنطقة ككل بينما تفتح الطريق أمام وحدات تعليب المياه مع ما تتسبب به من استنزاف للطبقات المائية وتهديد للأمن المائي للجهة والبلاد ككل، يهمنا أن:
-
- نذكر بأن الحق في الماء مدستر وبأن الاحتجاج من أجل استرداده قانوني ولا يمكن تجريمه بأي حال من الأحوال
- نحذر من تنامي النزاعات على الموارد المائية بين احتياجات الشرب والفلاحة المعيشية والاستغلال الصناعي وبأن اسباب هذا النزاع لا يمكن أن تتلاشى الا بإطار تشريعي يضمن علوية الحق في الماء للشرب والفلاحة العائلية والصغرى أمام استعمالاته لأغراض صناعية، سياحية او في الفلاحة الربحية
- نندد بسياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها سلطة الإشراف العاجزة عن وضع استراتيجية إنقاذ من حالة الإجهاد والشح المائي التي تعيش على وقعها البلاد ونستنكر تفشي المحسوبية والمحاباة في ملفات اسداء تراخيص التنقيب واستغلال المياه.
- نهيب بوزارة الفلاحة النظر جديا في ملف أزمة المياه الحالية واتخاذ إجراءات عاجلة وصارمة توقف نزيف الاستغلال المتوحش للموارد وتضمن ديمومتها والعدل في توزيعها بين المناطق والفئات المُستغِلة
-
نذكر بأن مجلة المياه لسنة 1975 لا تزال سارية المفعول في ظل توقف مسار مراجعتها الذي انطلق منذ 2019 وبأن هذا الأمر كارثي على الواقع المائي بالبلاد وينذر بعواقب وخيمة مباشرة على توفر الماء وديمومته بالإضافة الى انعكاساته المتصاعدة على زعزعة السلم الاجتماعي بالبلاد.
قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية