كيف عاشت الأحياء الشعبيّة جائحة الكوفيد 19؟ الكبّاريّة نموذجا
أحمد ساسي
الملخص
لعلّ البشريّة كانت تنتظر جائحة “كوفيد 19” لتعبّر عمّا أحدث فيها من طفرات تراجيديّة ولتشرق بوجهها دون مساحيق الدعاية وتعلن ما أحدث في عقلها الجمعي، فالمصائب والأحداث الكبرى تفرز وتفضح أسوأ ما في الشعوب والمجتمعات، كما أنّها تبرق أفضل وأرقى ما فيها[1]. كذا تقفز المجتمعات العالميّة من أزمة إلى أزمة بعد أن غالت في توقّعاتها بالرفاه الاجتماعي والسلام العالمي بإعلانها تجاوز فظاعات الحروب الدينيّة والعالميّة والأوبئة التايفونيّة والإبادات الجماعيّة و”نهاية عصر الإيديولوجيا”[2] لفتور الطبقات وتشدّقها باكتساح “الهندسة الاجتماعيّة”[3] وتكنولوجيا المعلومات لمختلف مظاهر الحياة البشريّة.
اعتبر الكثير من المحلّلين أنّ سياسات، مخططات وبرامج الدول والحكومات، على تنوعها واختلافها، لاحتواء وباء “كورونا” المستجد والذي تحوّل بعد بضعة أشهر من ظهوره إلى جائحة عالميّة يمكن أن يساعد في عمليّة تحليل ونقد وتفكيك الظواهر الاجتماعيّة والاقتصاديّة الناشئة، إلّا أنّه لا يبدو من الراجح القول بأنّ فهم ظواهر السلوك المجتمعي المعاصر لفيروس الكورونا المستجد يمكن أن تحصل في الأذهان دون رفع اللثام عن حقيقتها اليوميّة ودون فهم وتفكيك الخلايا المتفرّدة للمجتمعات. كان ذلك داخل النسق العام للقرارات الحكوميّة والمراكز البحثيّة الوطنيّة والعالميّة أو انطلاقا من السيرورات التفاعليّة الذاتيّة والخصوصيّة للأفراد والجماعات الإنسانيّة التي تتصل بوقائعها بشكل متواصل وتتواتر محصّلاتها التجريبية لتنتج حيثيّات تؤدي إلى نقلنا لما نسميه واقعة الكورونا وواقع التهميش داخل الأحياء الشعبيّة بتونس التي سترسم بدورها مشهدا مستقبليّا يؤكد خطورته.