ينشر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مجموعة من الملخصات لدراسة “انعدام المساواة” التي أصدرها في شهر مارس 2022 بالغة الفرنسية
انجاز: محمد ياسين الجلاصي
(اسفله تجدون الدراسة كاملة)
المحور الثاني
الجدل العالمي حول عدم المساواة وعدم المساواة في تونس حسب المصادر الدولية
ملف عدم المساواة لا يعني تونس فقط بل يعني جميع دول العالم ، ودراسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقفت على هذا الملف في بعديه العالمي والوطني
وقد بينت الدراسة ان الحديث عن عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية اصبح محل الحوارات الأكاديمية والسياسية والإعلامية منذ بداية ثمانينات القرن الماضي تزامنًا مع العولمة وهيمنة السياسات الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتوحّشة التي أدّت كلها إلى احتداد تمركز الثروات، في البلدان المصنّعة بالخصوص، ومع تراجع الدولة الاجتماعية.
ولعبت للحركات التقدمية المناهضة للعولمة الرأسمالية في عالم أحاديّ القطب، دور في اتّساع دائرة هذا الجدل. وهو ما فرض، حتّى على دوائر الحكم، أن تطرح مسألة عدم المساواة والالتزام بالحدّ منها كضرورة للمحافظة على حدّ أدنى من التماسك والاستقرار السياسي.
وذكرت الدراسة انن إعلان كوبنهاغ الصادر عن هذه القمّة، اكد التزام قادة الدول بـ ” العمل على التنمية الاجتماعية في العالم بأسره بحيث يستطيع الجميع، رجالًا ونساءً، وخصوصًا الذين/اللائي يعيشون/يعشن في الفقر، ممارسة حقوقهم/هنّ، يستخدمون/يستخدمن الموارد و يتشاركون/كن المسؤولية التي تمكّنهم من عيشة مرضية، ومن المساهمة في رفاه عائلاتهم ومجتمعاتهم والإنسانية قاطبة” .
وتحتوي خطّة العمل المُصادَق عليها أثناء هذه القمّة تحتوي على ضرورة ” وضع سياسات ترمي إلى القضاء على الفقر والحدّ من عدم المساواة ومكافحة الإقصاء الاجتماعي” ممّا يُشير إلى وعي الهيئات الدولية بأهمّية عدم المساواة وضرورة الحدّ منها من أجل تماسك اجتماعيّ أفضل.
وحسب الدراسة فان مقاومة منظمات المجتمع المدني وإسهاماته إلى دفع هذه النقاشات العامّة، كانت منصة للتعبئة من جعل الحدّ من عدم المساواة محورًا رئيسيّا وهدفًا من أهداف خطّة الأمم المتّحدة للتنمية المستدامة في أفق 2030، فضلًا عن وجود اللامساواة في عدد من الأهداف السبعة عشر والغايات المرتبطة بها.
كما وضع مشروع التنمية المستدامة 2030 ، 10 اهداف للحدّ من انعدام المساواة داخل البلدان وهي
التوصّل تدريجيًّا إلى تحقيق نموّ الدّخل ودعم استمرار ذلك النموّ لأدنى 40% من السكان بمعدّل أعلى من المعدّل المتوسّط الوطني بحلول عام 2030.
معدّلات نموّ إنفاق الأسرة أو الدخل للفرد ضمن شريحة الـ 40% الأشدّ فقرًا ومجموع السكان
تمكين وتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للجميع، بغضّ النظر عن السنّ أو الجنس أو الإعاقة أو الانتماء العرقي أوالإثني أو الأصل أو الدين أو الوضع الاقتصادي أو غير ذلك، بحلول عام نسبة الأشخاص الذين يعيشون بأقلّ من نصف متوسّط الدّخل حسب الجنس والسّن والأشخاص ذوي الإعاقة
ضمان تكافؤ الفرص والحدّ من أوجه انعدام المساواة في النتائج، بما في ذلك من خلال إزالة القوانين والسياسات والممارسات التمييزية، وتعزيز التّشريعات والسياسات والإجراءات الملائمة في هذا الصّدد.
. اعتماد سياسات ولا سيّما السياسات الماليّة وسياسات الأجور والحماية الاجتماعية، وتحقيق قدر أكبر من المساواة تدريجيًّا. حصّة العمل في النّاتج الدّاخلي الخام، بما في ذلك الأجور والتحويلات الاجتماعية
تحسين تنظيم ورصد الأسواق والمؤسسات المالية العالمية وتعزيز تنفيذ تلك التنظيمات..
ضمان تعزيز تمثيل البلدان النّامية وإسماع صوتها في عملية صُنع القرار في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، من اجل تحقيق مزيد من االفعالية والمصداقية والشفافية والشرعية للمؤسسات. نسبة البلدان النامية الأعضاء في المنظمات الدولية ولديها الحق في التصويت صلبها.
تيسير الهجرة وتنقّل الأشخاص على نحوٍ منظّم وآمن ومنتظم ومُتّسم بالمسؤولية، بما في ذلك من خلال تنفيذ سياسات الهجرة المُخطّط لها
نفقات الانتداب التي يتحمّلها الأجير كنسبة من الدّخل السنوي في بلد المقصد.
الفجوة بين الفئات الاجتماعية ليستا وهما وانما حقيقة معاشة على ارض الواقع اتخذت منحًى تصاعديًّا منذ الثمانينات بعد عقود من التراجع.
الى ذلك ذكرت الدراسة ان التقرير العالمي حول عدم المساواة في العالم الذي نشره البنك المركزي يشير إلى أنّ حجم عدم المساواة يتغيّر من جهة إلى أخرى، فقد كان مناب الـ10% الأكثر ثراء (نصيب الشريحة العشرية العليا من الدّخل) من الدّخل الوطني يمثّل 37% في أوروبّا و 41% في الصّين و 46% في روسيا و 47% في الولايات المتّحدة و كندا و حوالي 55% في إفريقيا جنوب الصحراء و في البرازيل و الهند.
و تظلّ منطقة الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تفاوتا في العالم بما أنّ الـ10% الأكثر ثراء يتحوّزون على 61% من الدّخل الوطني
وكشفت الدراسة ايضا ان الخيارات والسياسات الاقتصاديّة النيوليبيراليّة التي هيمنت على الاقتصاد العالمي زمن العولمة ادت إلى تراجع الدور الاجتماعي و التعديلي للدّول التي تفقّرت مقابل إثراء أصحاب الأملاك الخاصّة. فارتفعت هذه الأملاك الخاصّة الصافية في العقود الأخيرة من 200-350% من الدّخل الوطني في أغلب البلدان الغنيّة سنة 1970 إلى 400-700% اليوم. و حتّى الأزمة الماليّة لسنة 2008 لم تكن كافية لتعديل هذا المنحى. في المقابل، انخفضت قيمة الملك العمومي الصافي (الأصول العموميّة بعد طرح الدّيْن العمومي) في أغلب البلدان منذ الثمانينات.
و النتيجة لذلك تضاءلت قدرة الدّول على تعديل الاقتصاد وإعادة التوزيع و وضع سياسات التنمية الاجتماعيّة التي من شأنها أن تحدّ من عدم المساواة و تدعّم المرافق العموميّة ممّا ألحق الضّرر بالسكّان و الفئات الهشّة و حتى بالطبقات الوسطى.
وقد أشار التقرير إلى أنّ ممتلكات الطبقة الوسطى ستتقلّص في حال تعزّزت الاتجاهات الحاليّة و استمرّت.
كما خلص التقرير الى ان تفاقم عدم المساواة في الدّخل و التحويلات الهائلة للملك العامّ نحو القطاع الخاص خلال الأربعين سنة الأخيرة ادى إلى تعميق الفوارق بين الأشخاص من حيث الممتلكات حتى وإن كان نسق النموّ و حجم اللامساواة مختلفين من بلد إلى آخر.
الدراسة خلصت الى إنّ تطوّر عدم المساواة داخل البلدان له تأثير بالغ على مقاومة الفقر في العالم، و إذا تواصل هذا التطوّر فإنّ دخل نصف سكّان العالم الأكثر فقرا سيتراجع إلى النصف في سنة 2050.
اما نتيجة ذلك فستكون وخيمة حسب الدراسة اذ “أنّ تفاقم عدم المساواة قد يؤدّي إلى كوارث سياسيّة و اقتصاديّة و اجتماعيّة إذا لم يتمّ التعهّد به متابعةً و علاجاتٍ ناجعةً.”
كما أشار “التقرير العالمي حول عدم المساواة 2022” الصادر في نهاية 2021 عن مخبر قاعدة البيانات حول عدم المساواة في العالم، إلى أنّ التفاوت في الثروة أكثر حدّة من التفاوت في الدخل إذ لا يمتلك الـ50% الأشدّ فقرا إلا 2% من الثروة الإجمالية (مقابل 8،5% من الدخل الإجمالي) في حين يحوز الـ10% الأكثر ثراء 76% من هذه الثروة (مقابل 50% من الدّخل الإجمالي). أمّا الـ40% الذين يمثّلون الطبقة الوسطى فإنهم لا يملكون إلا 22% من الثروة مقابل 39،5% من الدّخل الإجمالي.
عدم المساواة على اساس الجنس
ذكرت الدراسة انه على صعيد عدم المساواة على أساس الجنس، فانّ التقرير يشير إلى أنّ نصيب النساء من الدّخل الإجمالي المتأتّي من العمل لم يتجاوز 35% مقابل 65% للرّجال، و رغم تصاعدها المستمرّ تظلّ هذه النسبة دون خطّ المناصفة بين الجنسين
تطوّر نصيب النساء من الدّخل الإجمالي للعمل
نشرت الامم المتحدة التقرير الاجتماعي العالمي 2020 تحت عنوان “عدم المساواة في عالم سريع التغيّر” الذي يؤكّد بدوره على أهمّية مقاومة عدم المساواة و يوفّر تحليلا و توصيات سياسيّة لـ”تأطير الحوار العالمي حول الحدّ من عدم المساواة كشرط لبناء المستقبل الذي نريد.”
و يبيّن التقرير في البداية أنّ عدم المساواة المرتفعة تمثّل محور اهتمام أخلاقي و قيميّ في كلّ ثقافات العالم، ثمّ يشير إلى تداعياتها السلبيّة على الرّفاه و إلى كبحها للنموّ الاقتصادي و تقليص القدرة على الحدّ من الفقر و مقاومته، ممّا يحدّ من الحركيّة الاجتماعيّة التصاعديّة
كما يمكن لعدم المساواة أن تفضي إلى السيطرة على المسارات السياسيّة و هو ما يقوّض الثقة في المؤسّسات و يؤدّي إلى اضطرابات متنامية
ويشير التقرير أيضا إلى وجود ارتباط وثيق بين تزايد عدم المساواة و تقلّص الحركيّة الاجتماعيّة. فتجربة بعض البلدان، مثل بلدان أوروبّا الشماليّة حيث ترتفع الحركيّة بين الأجيال و تنخفض اللامساواة، تبيّن دور السياسات و المؤسّسات في تنسيب تأثير مميّزات الأولياء على النجاح المستقبلي لأبنائهم، خاصّة بفضل التمويل العمومي للتعليم.
2- مصادر المعطيات الدوليّة حول عدم المساواة
الدراسة اعتمدت اساسا على قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم : وهي قاعدة بيانات البنك العالمي حول عدم المساواة وهدفها توفير ولوج مفتوح لكمّ هائل من المعطيات حول التطوّر التاريخي للتوزيع العالمي للثروة داخل البلد الواحد وبين البلدان.
ان المعطيات المتوفّرة بخصوص عدم المساواة محدودة وتعيق البحث العابر للأوطان وبخصوص أسباب ونتائج التفاوت في الدّخل. ولم تتوفّر تغطية واسعة بين البلدان وعلى امتداد الزمن إلا بمقارنة ضيّقة للملاحظات. كما أن تقديرات قاعدة البيانات المرجعية حول عدم المساواة في الدّخل في العالم تستند إلى آلاف مؤشرات جيني المجمّعة من خلال مئات المصادر المنشورة.
مشروع جامعة تكساس حول عدم المساواة / منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية : هي قاعدة بيانات وضعها مشروع عدم المساواة الذي أطلقته جامعة تكساس بأوستن (الولايات المتّحدة الأمريكية) لدراسة تطوّر عدم المساواة في الأجر الاقتصادي ومنها على الأخصّ المعطيات المتعلّقة بـ”تقديرات عدم المساواة في دخل الأسر” المستمدّة من علاقة القياس الاقتصادي مع قاعدة بيانات مشروع جامعة تكساس حول عدم المساواة في الأجر الاقتصادي.
معهد الالتزام من أجل الإنصاف : تأسّس هذا المعهد سنة 2015 ويعمل على الحدّ من عدم المساواة والفقر باعتماد تحليل شامل ودقيق لتداعيات الضرائب والخدمات ، والالتزام النشيط مع الأوساط السياسية. وقد وضع فهرسًا للالتزام بمقاومة عدم المساواة كما اقترح دليلًا منهجيًّا للالتزام من أجل الإنصاف.
ذكرت لا الدراسة ان قاعدة بيانات البنك العالمي تحتوي على مجموعة من الإحصائيات بخصوص مُعامل جيني للدّخل في تونس للفترة الممتدّة من 1961 إلى 2016. وتعتمد هذه المعطيات على نتائج مختلف المسوحات حول استهلاك الأسر التي أجراها المعهد الوطني للإحصاء بتونس. وتُبيّن هذه الإحصائيات أنّ معامل جيني عرف، بشكل عامّ، تطوّرًا باتجاه الانخفاض، ممّا يُشير إلى تراجع عدم المساواة.
هذا التطوّر شهد ثلاث مراحل كبرى.
فقد عرفت العشرية 1965-1975 انخفاضًا هامّا لهذا المؤشّر حيث مرّ من 51،6 إلى 44 في فترة تزامنت مع بداية مسار التّخطيط ووضع أسس دولة الاستقلال التي ورثت لامساواة صارخة خلّفتها حقبة الاستعمار وكان ذلك مع انطلاق سياسة التعاضد ومسار التصنيع وخلق أقطاب اقتصادية، وخلّفت تفقيرًا للرّيف ونزوحًا مكثّفًا نحو المدن.
وبين 1975 و 2006، عرف هذا المُعامل (coefficient) ركودًا بصرف النظر عن بعض التغيرات الضعيفة نسبيًّا. وتتزامن هذه المرحلة مع فترتيْ تحرير الاقتصاد. جاءت الأولى إثر إيقاف تجربة التعاضد التي أطلقها أحمد بن صالح ، وبعث الصناعات التصديرية (قانون أفريل 1972) وصندوق دعم اللامركزية الصناعية (FOPRODI)، ثمّ تلتها فترة ما بعد برنامج الإصلاح الهيكلي التي انطلقت إثر أزمة أواسط الثمانينات.
بعد 2006، دخل معامل جيني طورًا من الانخفاض خصوصًا منذ 2011، سنة الثورة، وهو ما يمكن تفسيره بأهمّية التحويلات لفائدة الفئات الأكثر هشاشة والترفيع في الأجور الاسميّة لعدّة قطاعات. غير أنّ هذه الزيادات لمْ تُبدّد الشعور العامّ بتعمّق اللامساواة خصوصًا لدى الطبقة الوسطى وسكّان الجهات المحرومة وذلك بسبب استمرار البطالة وتفاقمها وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة التبادل وغياب المبادرات الرامية إلى مقاومة التفاوت الجهوي ودفع التنمية المحلية.
وتشير معطيات البنك العالمي إلى مرور معامل جيني من 37،7 سنة 2006 إلى 38،5 في 2011 ثمّ إلى 32،89 سنة 2016، غير أنّ هذه النِّسب الوطنية تُخْفي تفاوتًا صارخا بين الجهات
تطوّر مؤشر جيني في تونس بين 1961 و 2016
حسب قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم – البنك العالمي
هذا المؤشر اي الجيني لا يكفي بمفرده لفهم مدى تعقيد عدم المساواة الاقتصادية لذلك اعتمدت الدراسة على مؤشرات أخرى مثل معدّلات بالما أو 20-20 أو تطوّر أنصبة مختلف فئات السكان.
وانطلاقًا من قياس توزيع الإنفاق ، فإنّ معدّلات بالما و 20-20 تُشير إجمالًا إلى نفس التطوّرات في تونس.
فبالنسبة لمعدلات بالما التي لا يمكن احتسابها بين 1970 و1985 لغياب المعطيات المتعلّقة بالإنفاق حسب الشريحة العشرية، فإنّها تُبيّن أنّ قسمة نفقات الـ 10% من السكان الأكثر ثراءً على الـ 40 % الأشدّ فقرًا مرّت من 3،5 (3،51) إلى أقلّ من 1،5 (1،27) سنة 2016، أي أنّ الـ 40 % الأشدّ فقرًا يجنون أقلّ من الـ 10 % الأكثر غنًى، في حين كانت هذه النسبة أقلّ بثلاث مرّات ونصف سنتيْ 1961 و 1970، علمًا وانّ هذا المعدل عرف ركودًا نسبيًّا في حدود 2 بين 1990 و 2000.
ويعكس معدل 20-20 نفس التطوّر إذ يُبرز أنّ نصيب خُمس السكان الأكثر ثراءً الذي كان يُعادل 18 مرّة (18،27) نصيب الخُمس الأشدّ فقرًا سنة 1961 أصبح يُساوي 5 مرّات (5،24) سنة 2016 ممّا يُثبت تقلّصًا ملحوظًا في التفاوت بين الفئات الأغنى والفئات الأفقر.
تطوّر الأنصبة من المداخيل حسب الشريحة العشرية في تونس بين 1985-2016
استخلصت الدراسة ان الشرائح العشرية الخمسة الأولى، أي النصف الأفقر من السكان، عرفت ارتفاعًا في مداخيلها، وذلك من خلال نفقاتها، بين 1985 و 2016، فمرّ هذا النصيب من 21،6 % إلى 27،8 % مسجّلًا ارتفاعا بـ 6،2 نقاط.
ولم يعرف نصيب الشرائح العشرية من 6 إلى 9، التي يمكن اعتبارها الطبقة الوسطى الميسورة نسبيًّا ( وتُسمّى الـ 40 % الوسيطة)، إلّا تقدّمًا طفيفا إذ مرّ من 44،3 % إلى 46،6 % أي بزيادة 2،3 من النقاط.
في المقابل ودائما حسب الجراسة شهد نصيب الـ 10 % الأغنى انخفاضًا متواصلًا فتراجع بـ 8،5 نقاط من 34،1 % إلى 25،6 % وهو ما يعادل مجموع نقاط الارتفاع في أنصبة الشرائح العشرية الأخرى.
تطوّر أنصبة المداخيل للـ 10 % الأكثر ثراءً وللـ 50 % الأشدّ فقرا في تونس
بين 1961 و 2016
تحتوي قاعدة بيانات البنك العالمي على تقديرات لارتفاع الدّخل للكهل الواحد باعتماد الشريحة المئوية، تُمكّن من تحليل تطوّر توزيع المداخيل وثمار النموّ في تونس.
وتُبيّن هذه التقديرات أنّ الشريحة المئوية العاشرة هي الفئة التي عرفت أكبر ارتفاع في دخلها فيما بين 1985 و 2019، ويُقدّر هذا الارتفاع بـ 129 %، تليها الشريحتان المئويتان 33 و 34 بارتفاع قدره 128 %. أمّا الـ 1 % الأكثر غنًى فقد انخفضت مداخيلهم بنسبة 8 %، وبلغ الانخفاض 33% لدى 0،1 % الأغنى، و52 % لدى الـ 0،01 %، و 65 % للـ 0،001 %.
ووفق المنتدى فانه اذا قارنا هذه النّسب بمثيلتها على الصعيد العالمي نجد أنّ هذه الفئات الخمسة عرفت ارتفاعًا في مداخيلها يُقدّر بـ 89 %، و112 %، و148 %، و170 %.
أرباح النموّ حسب الشرائح المئوية في تونس بين 1985 و2019
ارتفعت مداخيل 44 % من السكان الأشدّ فقرا وفق معطيات قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم بأكثر من الضعف بين 1985 و 2016، كما سجّلت مداخيل الشرائح المئوية من 45 إلى 90 ارتفاعا يتراوح بين 50 % و 100 %خلال نفس الفترة في حين ارتفعت مداخيل الشرائح المئوية من 91 إلى 98 بنسبة تقلّ عن 50 %.أمّا الـ2 % الأكثر ثراءً فقد انخفضت مداخيلهم نسبيّا.
وتطورت أنصبة الشرائح الرئيسية حسب هذه المعطيات المتعلّقة بالدّخل قبل الضريبة ( تمّ تنزيلها في 18 مارس 2021 من قاعدة بيانات البنك العالمي)، ويُشير إلى تساوي أنصبة الـ 40% الوسيطة والـ 10 % الأكثر ثراءً، وتواصل هاتان الفئتان حيازة ما يزيد عن 80 % من المداخيل حسب الكهل الواحد بالتساوي تقريبا. في حين مرّ نصيب الـ 50 % الأشدّ فقرا من 12،8 % سنة 1980 إلى 17،9 % سنة 2019.
تطوّر أنصبة الشرائح المئويّة من الدّخل قبل الضريبة في تونس من 1980 إلى 2019
تبدو الجزائر مقارنة ببلدان الجوار في شمال افريقيا الأقلّ لامساواة ضمن بلدان شمال إفريقيا الخمسة) بمؤشّر جيني قدره 27،62 سنة 2012، تليها مصر ب31،8% سنة 2015، و تتقدّم موريتانيا (32،62) على تونس (32،82). و يعتبر المغرب البلد الأكثر لامساواة في المنطقة بمؤشّر جيني قدره 39،55 سنة 2014.
وتسجّل الجزائر أيضا مؤشّر بالما أقلّ من 1 ممّا يعني أنّ نصيب الـ10% الأكثر ثراء من المداخيل أقلّ قليلا من نصيب الـ40% الأشدّ فقرأ. تقدّر هذه النسبة بـ1،25 في موريتانيا و 1،27 في كلّ من مصر و تونس لكنّها تبلغ 1،87 في المغرب.
وخلاصة فان الدّخل الفردي في تونس أعلى منه في موريتانيا بشكل ملحوظ.
وتحتوي قاعدة البيانات المرجعيّة لعدم المساواة في الدّخل في العالم على مؤشّرات جيني متعلّقة بالتفاوت في المداخيل المتاحة و مداخيل السوق الخاصّة بـ198 دولة قابلة للمقارنة فيما بينها منذ 1960 إلى اليوم، كما تتضمّن معلومات على إعادة التوزيع المطلق و النسبي.
- عدم المساواة في الدّخل المتاح (بعد الضريبة و بعد التحويلات)
- عدم المساواة في دخل السوق (قبل الضريبة، قبل التحويلات)
- إعادة التوزيع المطلق (التفاوت في دخل السوق يطرح منه التفاوت في الدخل الصافي)
- إعادة التوزيع النسبي (بعد طرح التفاوت في الدخل الصافي من التفاوت في دخل السوق تتمّ القسمة على التفاوت في دخل السوق)
و نجد في قاعدة البيانات هذه جردا للدراسات و المصادر التي قدّرت أو احتسبت معدّلات جيني الخاصّة بتونس منذ 1985 و لنا في الجدول التالي تلخيص لهذه المعطيات.
وتبيّن كلّ هذه التقديرات، رغم اعتمادها منهجيّات مختلفة، تطوّر هذا المؤشّر نحو الانخفاض و هو ما يشير إلى تراجع عدم المساواة بين 1985 و السنوات الأخيرة.
و تؤكّد كلّ تقديرات معدّل جيني التي وضعها منشئو قاعدة البيانات هذا المنحى سواء بالنسبة لدخل السوق (قبل الضريبة و التحويلات) أو بالنسبة للدّخل المتاح (بعد الضريبة و التحويلات) و تفيد هذه التقديرات أنّ مؤشّر جيني المرجعي لدخل السوق قد مرّ من 44،4 سنة 1985 إلى 40،9 في 2015. أمّا مؤشّر جيني المتعلّق بالدّخل المتاح، فقد مرّ في نفس الفترة من 41،9 إلى 38،9. و يبيّن الرسم البياني التالي، الذي تمّ تنزيله من قاعدة البيانات، تطوّر هذين المؤشّرين و مجال الثقة المناسب لكلّ منهما.
قاعدة البيانات المرجعيّة لعدم المساواة في الدّخل في العالم.
تجدر الإشارة إلى تأكيد مصمّمي قاعدة البيانات على ضرورة توخّي الحذر عند تأويل الفرق بين المؤشّرين (دخل السوق و الدّخل المتاح) لأنّ الأرقام المقدّمة في تونس و البلدان المغاربيّة حول عدم المساواة في دخل السوق و في الدّخل المتاح تمثّل أفضل تقدير ممكن بحسب المعطيات المتوفّرة من المصدر على عكس البلدان التي تكون فيها المعطيات الأصليّة متوفّرة بخصوص توزيع دخل السوق و توزيع الدّخل المتاح أو الاستهلاك. لكن هذه التقديرات في البلدان المغاربيّة ترتكز على فحص و معاينة نفس المعطيات من المصدر، لذلك فإنّ الفرق بينها لا يعكس إلّا معلومات متأتّية من بلدان أخرى و يكون بالتالي من الخطأ إرجاع هذا الفرق إلى تأثير إعادة توزيع الضرائب و التحويلات.
إنّ المعطيات المقارنة لبقيّة بلدان شمال إفريقيا تفيد بأنّ الجزائر هي البلد الأقلّ تفاوتا في التوزيع بتطوّر ذي انخفاض ثابت في معامل جيني للدّخل المتاح بين 1990 و 2011
ولاحظت الدراسة ان هذا المنحى المستمرّ في الانخفاض في تونس أيضا بين 1985 و 2017، و في نفس هذه الفترة يبدو الوضع مستقرّا نسبيّا في مصر. في المقابل، ارتفعت اللامساواة في المغرب الأقصى بين 1985 و 2010 حيث بلغ جيني 41،1 قبل أن يسجّل تراجعا طفيفا إلى حدود 41 سنة 2011.
تشير المعطيات المتعلٌّقة بتونس إلى أنّ المؤشّرين يتّخذان نفس المسار (معامل جيني و مقياس ثيل) و هو ما يعكس منحى عامّا باتّجاه الانخفاض المحدود بين 1964 و 1972 يتبعه ارتفاع نسبي حتى 1976 ثمّ تراجع حتى سنة 1981. ولا تحتوي قاعدة البيانات على معطيات بخصوص الفترة 1981-1993 لكن المؤشّرين سجّلا ارتفاعا ملحوظا بين هاتين السنتين مّما يشير إلى تفاقم عدم المساواة الذي تواصل حتى 2003، ثمّ شهدت الفترة 2009-2014 ركودا نسبيّا.
إنّ الاختلاف بين هذه النتائج مقارنة ببقيّة التقديرات المتعلّقة بعدم المساواة (قاعدة بيانات عدم المساواة في العالم و قاعدة البيانات المرجعيّة لعدم المساواة في الدّخل في العالم) قد يعود إلى اعتماد مشروع جامعة تكساس حول عدم المساواة – منظّمة الأمم المتّحدة للتنمية الصناعيّة، في المقام الأوّل، على الأجور في القطاع الصناعي.
نلاحظ أنّ المعطيات الخاصّة بتونس و مصر المتوفّرة في قاعدة البيانات تصل إلى سنة 2014 في حين أنّها قديمة نسبيّا فيما يتعلّق ببقيّة بلدان المنطقة، و هي تبيّن أنّ عدم المساواة في مصر و المغرب أحدّ منها في تونس
عدم المساواة في الدخل حسب معهد الالتزام من أجل الإنصاف
منذ تأسيسه في 2015، رسم معهد الالتزام من أجل الإنصاف بجامعة تولان (Tulane) الأمريكيّة، لنفسه هدفا نصّ عليه في الموقع الخاصّ به يتمثّل في الحدّ من عدم المساواة و الفقر من خلال تحليل شامل و دقيق لتداعيات الضرائب و الخدمات من ناحية و الالتزام النشيط مع الدوائر السياسيّة من ناحية ثانية. و يعتمد في ذلك على مجالات نشاط رئيسيّة: مناهج و أدوات سياسيّة، مركز معطيات حول إعادة التوزيع الضريبي، خدمات استشاريّة و تكوينيّة، جسور مع السياسة.
وتعود المعطيات المتعلٌّقة بتونس إلى سنة 2010 استنادا إلى مسح تلك السنة لاستهلاك الأسر، و تشير إلى بلوغ مؤشّر جيني لدخل السوق زائد المنح 0،4307 سنة 2010، و قُدّر جيني للدّخل المتاح بـ 0،3972 أي بانخفاض مقارنة بدخل السوق في حدود 0،033، و نسجّل نزول جيني للدّخل القابل للاستهلاك إلى 0،3812 في حين استقرّ عند 0،3516 بالنسبة للدّخل النهائي أي بحوالي 0،08 نقطة أقلّ من جيني لدخل السوق.
معدّل جيني و مؤشّر ثيل حسب “معهد الالتزام من أجل الإنصاف” – تونس 2010
في هذا الاطار ذهب الجويني و آخرون في بحثهم إلى أنّ سياسة وضع الميزانيّة في تونس تحدّ من عدم المساواة و الفقر المدقع بفضل إنفاق عمومي يحقّق إعادة التوزيع. غير أنّ نسبة الفقر قد ارتفعت ممّا يعني أنّ أعدادا كبيرة من الفقراء يدفعون مقدارا للضرائب أكثر ممّا يتلقّونه من تحويلات ماليّة أو منح و يعود ذلك إلى العبء الثقيل نسبيّا للضرائب على دخل الأشخاص الطبيعيّين و لمساهمات الضمان الاجتماعي على الأسر ذات الدّخل الضعيف.
ولاحظت الدراسة انخفاضا ب0،08 نقطة بين جيني دخل السوق للفرد (0،43) و جيني الدّخل النهائي (0،35).
إنّ المقارنة مع بلدان أخرى ذات دخل متوسّط تشير، باعتماد نتائج هذه الدراسة، إلى أنّ الأثر التوزيعي للضرائب و التحويلات النقديّة و المنح و التحويلات العينيّة أضعف من البرازيل و الشيلي لكنّه أعلى من المكسيك و يتجاوز بكثير ما نسجّله في اندونيسيا أو البيرو، إلّا أنّ الأثر التوزيعي للضرائب و التحويلات النقديّة و المنح أعلى ممّا تسجّله إحدى البلدان المذكورة أعلاه و أقلّ من جنوب إفريقيا. لذلك يمكن اعتبار أنّ سياسة وضع الميزانيّة في تونس تتّسم بقدر من إعادة التوزيع.
و في الخلاصة، تشير الدراسة فيما يتعلّق بتونس إلى أنّ الجزء الأكبر من التعديل يعود إلى الضرائب على دخل الخواص و إلى المساهمات في الضمان الاجتماعي. “إنّ التحويلات النقديّة تساهم في إعادة التوزيع بقدر ضئيل. و رغم أنّها تصاعديّة و تحقّق المساواة فإنّ نسبتها من الميزانيّة تظلّ محدودة (0،2% فقط). و يساهم الدّعم في الحدّ من عدم المساواة و لكن أقلّ بكثير من التحويلات النقديّة لأنّ الامتيازات المسندة إلى غير الفقراء تفوق نسبتهم من السكّان. و يبقى التعليم الابتدائي و الثانوي الأكثر توزيعا و تحقيقا للمساواة في حين لا يضمن التعليم العالي إعادة التوزيع إلّا في حدود نسبيّة لأنّ ولوج الفقراء إليه يظلّ محدودا. كما تضمن نفقات الصحّة إعادة التوزيع و تحقّق المساواة فيما يخصّ العناية الصحّية الأساسيّة، بينما ينبغي تنسيب هذا الدور كلّما تعلّق الأمر بخدمات الإقامة الاستشفائيّة.”
مؤشّر أوكسفام للالتزام بالحدّ من عدم المساواة
ذكرت الدراسة ان جمعية اوكسفام تناولت مسألة عدم المساواة في العالم في عدّة دراسات، كما انخرطت في النضال من أجل الحدّ منها. و وضعت بالشراكة مع “تمويل التنمية الدوليّة” (DFI : Development Finance International) مؤشّر ERI : مؤشّر الالتزام بالحدّ من عدم المساواة الذي نُشرت النسخة الثالثة منه في 2020 لتقدّم ترتيب 158 دولة في العالم حسب هذا المؤشّر الذي يقيس سياسات و إجراءات الحكومات في ثلاثة مجالات لها تأثير مباشر و ثابت على الحدّ من عدم المساواة و هي الخدمات العموميّة (الصحّة و التعليم و الحماية الاجتماعيّة) و الجباية و حقوق العمّال.
وأشارت نتائج 2020 إلى حصول البلدان الأكثر تقدّما على أفضل المراتب و احتلّت النرويج (مجموع نقاط 0،82) و الدنمارك و ألمانيا و فنلندا طليعة الترتيب.
تطوّر مؤشّر الالتزام بالحدّ من عدم المساواة 2018-2020. شمال افريقيا
بينت النتائج ان تونس تراجعت بـ8 مواقع في الترتيب العالمي بين 2018 و 2020 رغم وجودها في طليعة بلدان شمال إفريقيا رغم تحسّن مجموع نقاطها. لقد نجحت تونس في تحسين مجموعها فيما يخصّ الجباية و الأهمّ أنّها تقدّمت في الترتيب إذ احتلّت المرتبة العاشرة عالميّا في هذا المجال، لكنّها عرفت انخفاضا في المجموع و تراجعا في الترتيب في مجال الخدمات العموميّة ممّا يعكس تردّي هذه الخدمات و خصوصا في الصحة و التعليم، لذلك مرّت من المركز 59 سنة 2018 إلى المركز 94 سنة 2020.
أمّا من حيث حقوق العمّال، فرغم التحسّن في مجموع النقاط الذي أصبح 0،64 في 2020 بعد أن كان 0،59 في 2018، ففد مرّت تونس من المركز 50 إلى المركز 60 في الترتيب العالمي، ممّا يعني أنّها شهدت ركودا أو تطوّرا أكثر بطئًا من بلدان أخرى.
وقد ساهمت العطالة السياسيّة وغياب الإصلاحات الحقيقيّة الرامية إلى الانخراط في سياسة تنمويّة شاملة و عادلة لا يمكن أن تفضي إلّا إلى هذا التردّي الاجتماعي.
و إذا اعتمدنا مقاربة تفصيليّة للسياسات العموميّة في تونس سنة 2018 حسب هذا المؤشّر، فإنّه يتبيّن لنا، استنادا لنسبة الإنفاق العمومي على التعليم و الصحّة و الحماية الاجتماعيّة من مجموع النفقات العموميّة، أنّها تحتلّ المركز 19 عالميّا من حيث الإنفاق على التعليم بنسبة 20،59%، و المركز 41 في ما يخصّ الحماية الاجتماعيّة بنسبة 30%، في حين تأتي في المرتبة 136 بالنسبة للإنفاق في الصحّة بـ6،1% من مجموع النفقات العموميّة. كلّ هذه البيانات تفسّر الأسباب الرئيسيّة لتدهور البنية التحتيّة و جودة الخدمات خصوصا في التعليم و الصحّة العموميّين و تنامي تعليم و صحّة بسرعتين متفاوتتين تفضيان إلى تعميق عدم المساواة بين الفئات الاجتماعيّة في مجالين كانا يعتبران المحرّكين الرئيسيّين للمصعد الاجتماعي في تونس في العقود السابقة.
و نتيجة لذلك استقرّ مؤشّر جيني للدّخل في حدود 0،046 سنة 2018 ممّا وضع تونس في المرتبة 64. في المقابل، يُقدّر أثر معدّل تصاعد الضريبة على مؤشّر جيني للدّخل بـ0،0325- ممّا بوّأ تونس المرتبة السابعة في الترتيب العالمي.
و تحتلّ تونس المرتبة 21 من حيث الممارسات الضريبيّة الضارّة و هكذا يستقرّ معدّل مجموع النقاط بخصوص تصاعد الضريبة في حدود 0،74 و يعطي لتونس المرتبة 17 عالميّا في هذا المجال.
مؤشّر الالتزام بالحدّ من عدم المساواة
– ثروة الأسر.
يُعتبر التقرير السنوي لمصرف “الكريدي سويس” (Crédit Suisse) حول الثروة العالميّة مصدرا هامّا لتقييم تطوّر هذه الثروة و توزيعها بين البلدان و داخل كلّ بلد. و يشير تقرير 2020 إلى أنّ الثروة الجمليّة للأسر على الصعيد العالمي تُقدّر بـ399200 مليار دولار في نهاية 2019، و كانت الثروة الجمليّة للفرد 77309 دولار.
و يذكر التقرير، من جهة أخرى، أنّ ثروة الأسر قد ارتفعت بين 2000 و 2019 من 117900 مليار دولار إلى 399200 مليار دولار، غير أنّ هذا الارتفاع لم يكن منتظما إذ امتدّت فترته الذهبيّة من 2000 إلى 2007 بنموّ سنوي قيمته 10،3% ثمّ تراجع سنة 2008 بـ7،5% قبل أن يعود إلى صعود أكثر اعتدالا فاستقرّ معدّل نسقه السنوي عند نسبة 5،7%.
لكن نموّ ثروة الأسر بحساب الفرد الكهل كان أقلّ أهمّية بمعدّل سنوي قدره 4،9% بين 2000 و 2019 علمًا و أنّ هذا المعدّل بلغ 8،2% قبل 2008 و تراجع إلى 4،1% سنويّا بعدها.
وسجّلت الثروة العالميّة في 2019، قبل أزمة جائحة كوفيد-19، نموّا بـ10%، لكن الثروة حسب الفرد الكهل ارتفعت بـ8،5%. و تحقّق الجزء الأكبر من ارتفاع الثروة المقدّر بـ36300 مليار دولار سنة 2019 بفضل الأصول الماليّة بما يفوق 24000 مليار دولار كان نصفها في أمريكا الشماليّة. أمّا الأصول غير الماليّة فلم ترتفع إلّا بما قدره 15300 مليار دولار سنة 2019.
توزيع الثروة العالميّة حسب المناطق
لاحظت الدراسة ان التوزيع العالمي للثروة كشف تفاوتا صارخا بين البلدان و القارّات، و تبيّن الخارطة التالية تمركز الثروة حسب الفرد في مختلف بلدان و مناطق العالم.
تمركز الثروة حسب الفرد في العالم
يتبيّن من خلال هذا التوزيع حسب المناطق أنّ إفريقيا، بـ12،3% من الكهول، لا تملك إلّا 1،2% من الثروة العالميّة في2019، مقابل 31،6% من الثروة لأمريكا الشماليّة و 23،6% لأوروبّا. و تأتي الصين في الموقع الثالث بـ19،53% تليها آسيا-المحيط الهادي (دون الصين و الهند) بـ 17،64%، و الهند بـ3،84% و أمريكيا اللاتينيّة بـ3،11%.
وبالتالي يعبّر معدّل ثروة الفرد بصورة جليّة عن حجم اللامساواة و مداها. فثروة الكهل في نهاية 2019 تتراوح بين 7373 دولارا في إفريقيا و 446638 دولارا في أمريكا الشماليّة، و هو ما يعني أنّ كهلا من شمال أمريكا يملك معدّل ثروة أكثر بـ60،1 مرّة ما يملكه كهل إفريقي. و إذا استندنا إلى المعّدل العالمي و قدره 77309 دولار، فإنّ معدّل ثروة الإفريقي يمثّل أقلّ من عشر هذا المعدّل (9،5%).
أمّا في تونس، و استنادا إلى تقرير 2018، فقد عرف تطوّر ثروة الأسر ارتفاعا مستمرّا بين 2000 و 2007 حيث بلغ 152 مليار دولار. ثمّ تراجعت هذه الثروة من 2007 إلى 2009: 128 ثمّ 98 مليار دولار، قبل أن تصعد إلى 101 و 130 مليار دولار في 2010 و 2011. و أخذت منذ تلك الفترة مسارا نحو التراجع بحدّ أدنى قدره 120 مليار دولار سنة 2018.
تطوّر ثروة الأسر – تونس
عرف المعدّل حسب الكهل نفس التطوّر فيما بين 2011 و 2018 و قد بلغ أقصاه سنة 2007 بما قدره 22493 دولارا، و أدناه سنة 2018 بـ14932 دولارا. و لا يتجاوز معدّل هذه الفترة نسبة 23،7% أي حوالي ربع المعدّل العالمي وفق تقرير مصرف كريجي سويس 2018
ينقسم معدّل الثروة التونسيّة إلى 8832 دولارا من الأصول غير الماليّة و 6262 دولارا من الأصول الماليّة. سجّلت نسبة الأصول الماليّة انخفاضا سنة 2010 ثمّ عرفت ارتفاعا مستمرّا منذ تلك السنة، فقد بلغت 42،5% سنة 2015 و 44،5% في 2018 بعد أن مثّلت 28% من مجموع الثروة سنة 2010. علمًا و أنّ الأصول الماليّة تملكها عادة الطبقات الأكثر ثراء، و بقدر أقلّ، الطبقات الوسطى، ممّا يشير إلى أنّ نصيب هذه الطبقات بصدد الارتفاع على حساب الفئات الأقلّ حظّا.
في المقابل تراجعت الثروة غير الماليّة فيما بين 2015 و 2018 لتمرّ من 9634 دولارا إلى 8883 دولارا سنة 2018. أمّا الدّيْن حسب الفرد الكهل فقد بلغ أقصاه سنة 2015 بنسبة 8،9% من الثروة الجمليّة ثمّ تراجع إلى 7،4% سنة 2018.
تطوّر بنية الثروة – تونس 2000-2018
يشير متوسّط قيمة الثروة بحساب الفرد حسب نفس المصدر إلى أن نصيب الطبقات الأكثر ثراء أهمّ بكثير من نصيب الأشدّ فقرا، فهي أقلّ من المعدّل إذ تستقرّ في حدود 6226 دولارا للكهل أي 41،7% من المعدّل.
إنّ نصيب كلّ شريحة عشريّة من الثروة في تونس من نصيب مثيلتها في العالم لا يكاد يُذكر بالنسبة للشريحتين الأولى و العاشرة (أقلّ من 0،0)، و يُقدّر بـ0،1 للشرائح الثانية و الثالثة و التاسعة، و 0،2 للرابعة و الخامسة و الثامنة، ثمّ يرتفع إلى 0،3% للشريحتين السادسة و السابعة. و يمكن تفسير ذلك بشدّة تمركز توزيع الثروة مع وجود طبقة وسطى أهمّ في تونس مقارنة بالتوزيع العالمي.
3.3- عدم المساواة بين الجنسين
تمثّل عدم المساواة بين الجنسين إحدى أهمّ أوجه عدم المساواة في كلّ مناطق العالم و إن بدرجات متفاوتة.
نشر المنتدى الاقتصادي العالمي في مارس 2021 تقريره العالمي الخامس حول عدم المساواة بين الجنسين و ضمّنه ترتيبا لـ156 بلدا باعتماد مؤشّر تأليفي: “مؤشّر الفجوة بين الجنسين العالمي” (GGGI : Global Gender Gap Index) الذي يتراوح بين 0 و 100 و يعبّر عن المسافة الفاصلة بين الواقع و حالة المناصفة بين الجنسين، و باعتماد النسب المئويّة يحدّد ما أُنجز باتّجاه سدّ الفجوة بين الجنسين. و هو يتفرّع إلى أربعة محامل: المشاركة و الفرص الاقتصاديّة، و الصحّة و البقاء على قيد الحياة، المستوى التعليمي، التمكين السياسي. و يذكر التقرير، باعتماد هذا المؤشّر، أنّ المسافة المقطوعة من أجل سدّ الفجوة بين الجنسين على الصعيد العالمي تُقدّر بـ68% سنة 2021، و إذا تواصل المسار على نفس النسق الحالي سنحتاج 135،6 سنة أخرى لسدّ التفاوت.
وقد تمّ الحدّ من التفاوت بنسبة 96% من حيث الصحّة و البقاء على قيد الحياة. غير أنّ جائحة الكوفيد قد تهدّد التقدّم الحاصل في هذا المجال. و تستقرّ هذه النسبة بخصوص التعليم في حدود 95% مع بلوغ 37 بلدا إلى المناصفة بين الرجال و النساء.
أمّا على صعيد المشاركة الاقتصاديّة، فإنّ الفجوة لم تنسدَّ إلّا بما نسبته 58% بتحسّن غير ذي بال مقارنة مع العام السابق، و هي وتيرة ستتطلّب 267،8 سنة لبلوغ المناصفة في هذا المجال
ويظلّ الطريق الأطول الذي ينبغي استكماله هو طريق التمكين السياسي حيث لم يتمّ رأب الصّدع إلّا بنسبة لا تتجاوز 22%. فالنساء في الـ156 بلدا لا يمثّلن سوى 26،1% من 35000 برلمانيّا و 22،6% من 3400 وزيرا. و سنحتاج، حسب النسق الحالي، 145،5 سنة للوصول إلى التناصف في الميدان السياسي.
و يكشف الترتيب حسب المناطق أنّ منطقة الشرق الأوسط-شمال إفريقيا تسجّل أدنى معدّل منذ 2006، السنة التي انطلق معها أوّل تقرير، و هو في حدود 61،6% مقابل 77،6% في أوروبا الغربية. و عند ترجيح هذا المعدّل حسب السكّان، يتراجع إلى 60،9% بتقدّم بطيء جدّا لا يسمح وقْعه ببلوغ التناصف إلّا بعد 142،4 سنة.
و تهيمن البلدان الشماليّة على الترتيب العالمي إذ تحتلّ أربعة منها المراتب الخمسة الأولى، و هي ايسلندا، الأولى بـ89،8%، و فنلندا (86،1%) و النرويج (84،9%) و تأتي السويد في المرتبة الخامسة (82،3%) بعد نيوزيلندا (84%) و نجد بلديْن إفريقيّين في المرتبتين السادسة و السابعة و هما ناميبيا (80،9%) و رواندا (80،5%).
أمّا تونس، فتحتلّ المرتبة 126 بمجموع 0،649 أي بزيادة قدرها 0،005 مقارنة بسنة 2020، و 0،020 مقارنة بـ2006، إلّا أنّها تأخّرت بمرتبتين بالنسبة لترتيبها سنة 2020. و يرسم الجدول الآتي تطوّر نتائج تونس و ترتيبها حسب المجالات بين 2006 و 2001.
على صعيد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تأتي تونس في المرتبة الثالثة وراء الكيان الصهيوني (المرتبة 60 بـ0،724) والإمارات العربية المتحدة (المرتبة 72 بـ0،716). وفي مجال التمكين السياسي تسجّل تونس مجموعًا قدره 0،212 ممّا يضعها في المرتبة 69 عالميًّا.
أمّا في مجال التربية والتعليم، فتأتي تونس في المرتبة 108 رغم تسجيلها مجموعًا قدره 0،970 بينما تحتلّ المرتبة 91 بمجموع 0،969 من حيث الصحّة والبقاء على قيد الحياة.
على صعيد شمال إفريقيا، تبدو الصورة غير مشرقة إذ تحتلّ تونس (وهي البلد الأول) المركز 126 في الترتيب العالمي.
مؤشر عدم المساواة بين الجنسين.
تحتلّ الجزائر وفق التقرير العالمي حول عدم المساواة بين الجنسين 2021 أسوأ ترتيب على صعيد المشاركة والفرص الاقتصادية إذ تحتلّ المركز 142 بمجموع 0،456 وهو ما يترجم حجم اللامساواة تجاه النساء بخصوص الولوج إلى عالم الشغل والانعتاق الاقتصادي في منطقتنا.
ومن حيث مستوى التعليم يتراوح ترتيب بلدان شمال إفريقيا بين المرتبة 105 (مصر) و 138 (موريتانيا). في ميداني الصحة والبقاء على قيد الحياة والتمكين السياسي تحقّق تونس أفضل ترتيب بين بلدان المنطقة إذ تأتي على التوالي في المركز 91 و 69.
مؤشر التفاوت بين الجنسين – بلدان شمال إفريقيا
يُمكّن تحليل البيانات الخاصّة بتونس من إبراز المجالات التي ينبغي أن يُضاعف فيها الجهد، إن لم نقلْ أكثر، سعيًا إلى الحدّ من التفاوت بين النساء والرجال. فعلى صعيد المشاركة الاقتصادية حيث تحقّق تونس مجموعًا لا يتجاوز 0،445 وهو مجموع متدنٍّ مقارنة بالمعدّل العالمي المُرجّح حسب السكان (0،583)، وتجدر الإشارة إلى أنّ نسبة المشاركة في السكان النشيطين (نسبة النشاط) تظلّ ضعيفة جدًّا بـ28،1% بينما تبلغ 75،5% للرجال، ممّا يعني أنّ لدينا نسبة نساء/رجال قدرها 0،37. ويبلغ الدّخل المقدّر للنساء 4700 دولار مقابل 16800 دولار للرجال أي بنسبة نساء/رجال قدرها 0،28. وعلى مستوى الهيئات التسييرية، لا تمثّل النساء سوى 14،8% من المُشرّعين والموظفين السامين والمسيّرين بنسبة نساء/رجال 0،17. من ناحية أخرى، تشير المعطيات الواردة في التقرير إلى أنّ 18،57% من النساء المشتغلات يؤدّين عملًا بدوام جزئي مقابل 9،57% للرجال المشتغلين. كما أنّ نسبة المؤسسات التي تمسكها أغلبية من النساء تبلغ 40،1% مقابل 59،1% ذات أغلبية رجالية، بينما تمثّل المؤسسات المُسيّرة من طرف نساء 10،4% مقابل 89،6% يسيّرها الرجال. كلّ هذه المؤشرات تترجم حجم اللامساواة بين الجنسين المتواصلة في الفضاء الاقتصادي وسوق الشغل.
على صعيد الوصول إلى الملكيّة تسجّل تونس أسوأ مجموع بسبب التمييز، المناقض للمساواة في الحقوق، الذي تتعرّض له النساء بخصوص الإرث رغم النصوص التي تمنح نفس الحقوق للنساء والرجال. وتشكّل هذه القضية مطلبًا رئيسيّا لدى المنظّمات التقدميّة المدافعة على حقوق النساء سعيًا إلى إدخال التدابير الضامنة للمساواة بين الرجال والنساء في قوانين الميراث عملًا بأحكام الدستور الجديد الضامن للمساواة بين الجنسين.
وفي مجال التربية والتعليم، تظلّ نسبة النساء، من حيث الإلمام بالقراءة والكتابة، أدنى من مثيلتها عند الرجال لأسباب اجتماعيّة-ديمغرافية موروثة، غير أنّ نِسب التسجيل بالتعليم في مستوياته الثلاث لدى النساء أفضل منها عند الرجال، بنِسب نساء/رجال: 1،02 و1،06 و 1،81 تباعًا للابتدائي والثانوي والعالي. ولا أدلّ على هذا التفاوت بين الجنسين من آخر نتائج للباكالوريا حيث مثّلت الفتيات ثُلثي الناجحين وتحوّل الرجال إلى “ضحايا”.
أمّا فيما يتعلّق بميدان الصحة والبقاء على قيد الحياة، فإنّ أمل الحياة عند الولادة يُقدّر بـ67،7 ستة للنساء مقابل 66،1 سنة للرجال. لكنّ التقرير يشير إلى أنّ نسبة انتشار العنف ضدّ النساء على امتداد الحياة تساوي 20،3%.
بخصوص التّمكين السياسي، لا تمثّل النساء في البرلمان سوى 26،3% مقابل 73،7% للرجال أي بنسبة نساء/رجال قدرها 0،36 ولم تتمكّن أي امرأة، إلى حدود سنة 2021، من اعتلاء منصب رئاسة الدولة أو الحكومة.
استنتجت دراسة المنتدى ان الطريق لازال طويلًا للوصول إلى التناصف في هذا المجال، ويتطلّب عملًا مستمرًّا بلا هوادة لتغيير العقليّات والممارسات من أجل تكريس التدابير المضمَّنة في الدستور وفي القانون الانتخابي. ولقد مثّل التعيين الأخير لامرأة على رأس الحكومة سابقة يمكن أن تشكّل حدثًا بارزًا يفتح آفاقًا جديدة لتطوّر المرأة في تونس.