شهر نوفمبر 2024 : تصاعد في وتيرة الاحتجاج.. التنديد بالعنف والمطالب العمالية العنوان الأبرز..
شهد شهر نوفمبر، 330 تحركا احتجاجيا اي بزيادة 10% مقارنة بالشهر الذي سبقه، مسجلا بذلك العدد الاعلى من حيث التحركات الاجتماعية على امتداد سنة اتسمت بتراجع واضح في المطلبية.
ولم تلبّ التغيرات السياسية التي سجلتها الاشهر الاخيرة، حاجيات الفاعل الاجتماعي التونسي، الذي اتجه تدريجيا نحو مزيد الحضور في الساحات والتعبير عن رغبته في الظفر بمكسب اجتماعي جديد. وبالعودة الى الوراء نجد ان الاشهر الاخيرة عرفت وتيرة تصاعد تدريجي في مستوى التحركات الاجتماعية، 300 تحرك احتجاجي خلال شهر أكتوبر و273 تحركا احتجاجيا خلال شهر سبتمبر و234 تحركا خلال شهر أوت..
وعكست مطالب شهر نوفمبر 2024، شعورا كبير بالضيق وعدم الرضا المجتمعي، حيث بلغت التحركات المنددة بالعنف والاعتداءات 126 تحركا، وهو ما يمثل نسبة 38% من المجموع العام للتحركات المرصودة باختلاف اشكالها.
وسجل الشهر احتجاجات في معتمدية مساكن على خلفية وفاة شاب خلال مطاردة امنية، كما احتج الاساتذة والمعلمون في أكثر من جهة على العنف الذي يتعرضون له سواء داخل المؤسسات التربوية او خارجها، حتى ان حملة تنمر على أحد الاساتذة في معتمدية الشابة انتهت بانتحاره وانتظم على خلفيتها تحركات بساعتين في صفوف الأساتذة والتلاميذ في جميع ولايات الجمهورية.
وتأتي التحركات المرتبطة بالمطالب المهنية في مرتبة ثانية خلال شهر نوفمبر اين بلغت 62 تحركا. ورفع خلالها مطالب بتسوية الوضعية المهنية للعمال والموظفين، وبتحسين ظروف العمل، وصرف المستحقات من أجور ومنح وتعويضات متخلدة، كما احتج العمال على الانتهاكات التي يتعرضون لها داخل مواقع العمل وجددوا مطالبهم بالتسريع في تنفيذ الاتفاقيات العالقة.
وشهد شهر نوفمبر، تحركات عمال وعاملات مصنع الجلود والاحذية بمعتمدية السبيخة من ولاية القيروان، ولقي تحركهم مساندة واسعة من منظمات المجتمع المدني والفنانين والمسرحيين، وفي إطار الضغط والمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين توسع الحراك داخل تمثيليات الاتحاد العام التونسي للشغل، فانتظمت تحركات أمام المحكمة بمشاركة ممثلين عن المركزية النقابية، ودعت جامعتي التعليم الاساسي والثانوية الى سلسلة من التحركات على مستوى معتمديات القيروان سرعان ما دعمتها عدد من التمثيليات النقابية الاخرى في عدد من الجهات.
وكان الوضع الاقتصادي والاجتماعي وصعوبة الوصول للخدمات العمومية بدوره دافعا إلى جملة من التحركات المواطنية، طالبوا خلاله بوضع حد لانقطاع الماء الصالح للشراب وتحسين الخدمات الصحية والتحكم في أسعار الخضر والغلال وخاصة منها مادة البطاطا. واحتجوا على الإيقاف المفاجئ لخط قطار القلعة الكبرى تونس، وعلى ايقاف خط الحافلة 542 الرابط بين وادي الليل وتونس العاصمة، ونددوا بخدمات التاكسي الفردي والتطبيقات التي يعتمدها، وطالب متساكني معتمدية حاسي الفريد بتوفير المرافق الحياتية الاساسية. وسجل الشهر في عدد من ولايات الجمهورية تحركات طالبت ببيئة سليمة ودعم للمساحات الخضراء ووضع حد للأضرار البيئية الناجمة عن إلقاء النفايات الصلبة.
وبالتزامن مع موسم جني الزيتون، شهد عدد من ولايات الجمهورية احتجاجات وغضب وعدم رضا في صفوف الفلاحين بعد تدني أسعار تداول الزيتون والزيت نتيجة عدم الاستعداد الجيّد ، وعرفت ضيعة الاعتزاز بسيدي بوزيد تحركات لأكثر من عشرة أيام، ووجد المنتجون اشكاليات في عمليات نقل منتجاتهم وعصرها.
وعلى غرار الاشهر السابقة تتواصل تحركات الدكاترة وحاملي الشهائد العليا المعطلين عن العمل للمطالبة بحقهم في التشغيل. وتحركات القيمين والمرشدين واعوان المخابر وعمال المناولة والمتعاقدين للمطالبة بوضع حد لحالة الهشاشة التي يعيشونها بعد ان تم التعهد من قبل أعلى هرم السلطة بالقطع معها وتسوية وضعياتهم المهنية.
ويتواصل خلال شهر نوفمبر تحركات منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين، تنديدا بمحاولات تكميم الافواه والترهيب والتخويف من قبل السلط القائمة. وتم تنظيم وقفات مساندة امام منطقة الحرس الوطني ببن عروس تزامن مع سلسلة من التحقيقات التي استهدفت نشطاء وصحفيين.
وحسب رصد فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي الذي يشمل الصحف اليومية والاسبوعية والمواقع الالكترونية وفضاءات التواصل الاجتماعي، فقد كانت الوقفات الاحتجاجية اهم شكل احتجاجي استعمله الفاعلون الاجتماعيون خلال شهر نوفمبر اين سجل 198 وقفة احتجاجية يليها الاضراب وكان في حدود ال 33 تحركا ثم النداءات عبر وسائل الاعلام وبلغت 23 نداء. واعتمد الفاعل الاجتماعي المسيرة السلمية في 14 مناسبة والاعتصام في 13 اما بالنسبة للبيانات فتم اصدار 9 ذات طابع احتجاجي وفي 9 مناسبات ايضا تم غلق للطريق وتوزعت بقية التحركات بين التجمعات الاحتجاجية والاحتقان والسخط ونداءات الاستغاثة وتعطيل النشاط وحرق العجلات المطاطية فضلا عن تسجيل حالة تهديد بالانتحار احتجاجا على رفض نقلته.
وخلال شهر نوفمبر، احتل الاساتذة والمعلمون الصدارة في الفاعلين الاجتماعيين الأكثر احتجاجا ومطلبية، اين شاكوا في 160 من التحركات المسجلة وهي تقريبا نصف التحركات التي عاشت على وقعها البلاد على امتداد الشهر. ياتي بعدهم السكان ب35 تحركا ثم النشطاء ب25 تحركا والعمال ب 22 تحركا ثم الفلاحين ب20 تحركا.
توزيع يفسر احتلال المؤسسات التربوية لصدارة الفضاءات التي شهدت احتجاجات خلال شهر نوفمبر اين عرفت 162 تحركا بدورها يليها في ذلك الأماكن العامة والطرقات ب 40 تحركا مجتمعة، ومقرات السيادة والوزارات ومقرات الولايات والمعتمديات ب34 تحركا وسائل الاعلام ب30 نداء ومقرات العمل ب28 تحركا. هذا وشهد المسرح البلدي وشارع الحبيب بورقيبة 9 تحركات كما عرفت المؤسسات القضائية 8 تحركات والمستشفيات والمقرات الادارية 5 تحركات لكل منها.
و81,82% من التحركات خلال شهر نوفمبر كانت منظمة، وهو ما يؤكد تراجع الفاعل الاجتماعي التقليدي ( المواطن) عن التحرك والمطالبة لفائدة مظلة النقابات والجمعيات والنشطاء والحقوقيين.
وجاء 292 تحركا في شكل مختلط، في حين 35 تحركا كان بمشاركة الرجال فقط مقابل 3 تحركات نسائية. هذا وعرف الشهر 8 تحركات فردية والبقية كانت في شكل جماعي.
ويعرف الشهر تغير في خارطة الحراك الاجتماعية، فتواصل تونس العاصمة احتلال صدارة الولايات الأكثر احتجاجا ب44 تحركا تليها في ذلك القيروان ب 43 تحركا وسيدي بوزيد ب 24 تحركا والقصرين ب 22 تحركا وتطاوين ب 20 تحركا مقابل تراجع ولاية قفصة الى المرتبة الثامنة ب 13 تحركا. مع تسجيل انخراط لكل ولايات الجمهورية تقريبا في موجة الاحتجاج التي شهدها الشهر.
وتراجعت أكثر ظاهرة الانتحار ومحاولة الانتحار حسب العينة المدروسة خلال شهر نوفمبر اين سجل 5 حالات مقابل 8 في الشهر الذي سبقه، تم تنفيذ 3 منها من قبل ذكور و2 من قبل اناث ينتمي جميعهم الى فئة الكهول. ويمكن القول ان في غالبية الحالات التي تم رصدها كان الإقدام على إيذاء النفس لغرض الاحتجاج ورفض الواقع علما وانه في مناسبتين تم إنقاذ من أقدم على فعل الانتحار. وسجلت الحالات المرصودة في كل من ولايات بنزرت، حالتان، والقيروان والمهدية وباجة كل منها حالة انتحار.
وانطلاقا من عينة الرصد يبقى الشارع الفضاء الأساسي لممارسة العنف والتصعيد بالنسبة للتونسيين والتونسيات، اين انفرد 46% من الأحداث المرصودة. يليه في ذلك الفضاء الخاص وهو المسكن الذي احتضن 20% من حالات العنف ياتي بعده المؤسسات التربوية التي دار فيها 17% من العنف المسجل.
وفي ثلث الحالات المسجلة انتهى العنف بوفاة الضحية، وكان الهدف من البقية اما السرقة او استعراض القوة والتخويف او الانتقام.. وشهد الشهر حالات تحرش وعنف جنسي استهدف اطفال ونساء.
وحالات العنف المسجلة خلال شهر نوفمبر نسفها كان في شكل جماعي والنصف الاخر كان في شكل فردي،
وكان القائمين بفعل العنف خلال شهر نوفمبر أساسا من الذكور اين شاركوا في 92.31% من الحالات المرصودة في مقابل 56.41% كانت هذه الفئة ضحايا لأعمال العنف المسجلة. وجاءت نسبة اكثر من 5% من أحداث العنف في شكل مختلط وبمشاركة كلا الجنسين اما في 1% منها فكان من قام بفعل العنف من الإناث في مقابل في 33.33% من الحالات المرصودة كن ضحايا لفعل العنف.
ومع تواصل حالة عدم الرضا والغضب والسخط التي بدت واضحة في أشكال التحركات الاجتماعية المسجلة خلال شهر نوفمبر، يحافظ العنف على نفس ملامح التشدد والرغبة في التشفي ومن ذلك نرى انه يرتبط في أسبابه الدافعة بالاعتداء والسرقة والترهيب والانتقام والتحرش والاعتداء الجنسي ولا يكف المعتدي بالفضاء العام والخاص فقط بل يذهب الى الفضاء الافتراضي اين يجد مساحات أوسع للتعبير وكشف عن مشاعر العدائية التي تتملكه.