المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
رسالة مفتوحة الى السيد رئيس الجمهورية: في اليوم العالمي للمياه: الحق في الماء فوق كل استثناء
السيد رئيس الجمهورية
ونحن على مشارف إحياء اليوم العالمي للمياه، هذا اليوم الذي أقرته الأمم المتحدة واختارت له تاريخ 22 مارس من كل سنة كمناسبة لتذكير الجميع، أفرادً وحكومات، بأهمية الماء كحق أساسي لا نقاش فيه ولا مساومة. يحييه العالم هذه السنة تحت شعار “المیاه الجوفیة – جعل غير المرئي مرئیا” شعار يعكس هاجسا جماعيا تشترك فيه كل دول العالم ويتمحور حول فكرة أن المیاه الجوفية لامرئية ولكن تأثيرها ملموس وخطر نضوبها بات حقيقة، وبهذه المناسبة نتوجه إلى سيادتكم بهذه الرسالة لنثير انتباهكم إلى بعض المسائل الحارقة في علاقة بقضية الماء في تونس من منطلق رؤيتنا الحقوقية وتجربتنا الميدانية.
نتابع في قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ سنوات قضية الحق في الماء في كل جهات البلاد. ونرصد بصفة دائمة احتجاجات المواطنين والمواطنات وتبليغاتهم/هن إزاء الانقطاعات المتكررة للماء التي أصبحت الخبر اليومي لجهات عديدة ومناطق بأكملها تعاني العطش والإقصاء إلى اليوم ولا نظنكم غافلين عنها (634 تحرك احتجاحي سنة 2021 في علاقة بالماء حسب ارقام المرصد الاجتماعي التونسي). مثلما لا نظنكم غافلين عن أن الحق في الماء حق كوني نادت به كل المعاهدات الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونص عليه دستور البلاد في فصله الــ44. نفس الدستور نص أيضا على أن الموارد الطبيعية شرط من شروط تحقيق التنمية المستدامة وواجب حمايتها وحسن التصرف فيها بالشكل الذي يحفظ حقوق الأجيال الحالية ويؤمّن حقوق الأجيال القادمة واجب محمول على الدولة.
السيد رئيس الجمهورية
لا يزال أكثر من 300 ألف مواطن لا يمتلكون ربطا بالماء الصالح للشراب في دولة ينص دستورها على أن “الحق في الماء مضمون”. وفي جهات كالقيروان والقصرين وجندوبة وسيدي بوزيد مازالت النساء تتكبد مشقة السير لكيلومترات من أجل جلب الماء على ظهورهن أو على الدواب ويتغيب أطفال وخاصة فتيات عن الدراسة من أجل معاضدة أمهاتهن في جلب الماء.
كما أن 1415 مدرسة في تونس غير مرتبطة بشبكة الصوناد أي ما يقارب ثلث العدد الجملي للمؤسسات التربوية في البلاد. كما تتراوح نسب الربط في مدارس ولايات الوسط الغربي بين 28% و44% بينما تصل في العاصمة والولايات الساحلية إلى 100%. فكيف يمكننا تحقيق جودة التعليم وتكافؤ الفرص في ظل هذه التفاوتات في ظروف التعلّم؟
إن نصيب الفرد الواحد في تونس من الماء اليوم أقل من 400 متر مكعب في السنة والنسبة مرشحة للنقصان في السنوات القادمة لتصل 350 متر مكعب سنويا أي أقل بنسبة 50% من الكمية الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية والمتراوحة بين 750 و900 متر مكعب سنويا. ومن أهم المفارقات أن بلادنا تعيش تحت خط الفقر المائي، في حين تستنزف مواردنا الجوفية ويساء التصرف فيها حتى أن نية خوصصة قطاع الماء بما يخدم مصالح المستثمرين وفئة اقتصادية معينة، باتت الوجه الأوضح لسياسة بلادنا المائية اليوم.
السيد رئيس الجمهورية
إن الحق في الماء تتربّـص به العديد من المهدّدات. منها الطبيعية وعلى رأسها الجفاف وآثار التغييرات المناخية التي ساهمت في ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري وتأثيره على انخفاض معدل التساقطات كما زاد في انخفاض المياه السطحية وفي مستوى امتلاء السدود التي باتت مهددة بالجفاف حيث لم تتجاوز نسبة امتلائها في 2021 ال 30.4 % فقط من طاقتها التخزينية.
ومن التهديدات أيضا ما هو هيكلي في علاقة بنُظم التوزيع وطرق التصرّف في الموارد وحوكمتها وغياب العدالة في التزويد إلى جانب تعطل مشروع مجلة المياه الذي بقي معلقا في ظل تجميد أعمال مجلس النواب.
لقد قطعنا أشواطا كبيرة وخضنا نضالات مع عديد المنظمات والجمعيات في سبيل تنقيح مجلة المياه ومناصرة مشروع مجلة جديدة مبنية على مقاربة حقوقية اجتماعية للماء، حيث تؤسس لغد آمن وتحمي مواردنا من الاستنزاف والعبث بها. وكنا قد قدمنا في شهر جوان 2021 للجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات بالمجلس المجمّد أعماله مقترحنا التعديلي لمجلة المياه، والذي تجدون أهم ما جاء فيه مرفقا بهذه الرسالة. إلا أن مشروع المجلة اليوم حبيس الرفوف ولا ندري ما مآله في ظل التدابير الاستثنائية.
ورغم الجهود المبذولة من أجل ترسيخ الحق في الماء وإتاحة هذا المورد الحياتي للجميع إلا أن الولوج إليه يشهد اليوم عراقيل حقيقية تستوجب إيلاء المزيد من الاهتمام بقضية الماء والنأي بها عن الصراعات السياسية وعن الفراغ البرلماني الحالي. وعليه، وجب تضافر الجهود من أجل تحقيق التغيير المأمول في القوانين والتشريعات المائية وعلى رأسها ما جاءت به مجلة المياه والتي انتفت جدواها القانونية وبان قصورها في مواضع عديدة بالنظر إلى المتغيرات الديموغرافية والمناخية التي طرأت على العالم بشكل عام وعلى تونس بشكل خاص.
السيد رئيس الجمهورية
لعل إحياء ذكرى اليوم العالمي للمياه مناسبة لنذكر سيادتكم برؤيتنا لمسألة الحق في الماء وأهم النقاط العاجلة التي نعول على تعاونكم من أجل تحقيقها:
- الإذن بمواصلة أشغال لجنة الفلاحة أو النظر في طرق بديلة من أجل استكمال مسار تنقيح مجلة المياه والتسريع فيه لتفادي تعمق الأزمة ونحن على أبواب موسم صيفي جاف حسب العديد من المؤشرات،
- إلغاء العمل بمنظومة المجامع المائية بالمناطق الريفية وتعويضها بالوكالة الوطنية لمياه الشرب والري بالوسط الريفي، وهو ما كانت لجنة الفلاحة قد عبرت عن سعيها نحو تحقيقه قبل أن يتوقف المسار التعديلي لمجلة المياه،
- القطع مع المركزية في إدارة الشأن المائي وتعزيز التمثيلية الجهوية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه من خلال تنفيذ القرارات الوزارية المتعلقة بإحداث إدارات جهوية للصوناد في عدد من الولايات الداخلية على أن تترافق هذه التمثيلية مع استقلالية مالية وادارية فعلية. والجدير بالذكر أن معظم الاحتجاجات في علاقة بالماء تتمركز في المناطق الداخلية التي تفتقر إلى إدارة جهوية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (على غرار القيروان والقصرين وقفصة).
السيد رئيس الجمهورية
إن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يؤكّد أنه لا سبيل للتصدي لأزمة العطش ونضوب الموارد إلا عبر العمل على تحسين ضمانات الحصول على هذا الحق من خلال إطار قانوني ومؤسساتي واضح ومتواصل بحيث يمكن أن ينشأ حتى من رحم الاستثناء، كما يجب أن يضع ضمن أولوياته احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامته.
وعليه، فإننا ندعو كل الجهات المعنية وعلى رأسها رئاسة الجمهورية إلى تكثيف العمل من أجل اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية هذا الحق والأخذ بعين الاعتبار النقاط العاجلة التي أوردناها سلفا.
رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
عبد الرحمان الهذيلي