مهاجرون في سوق الشغل التونسية: حقيقة ما يحدث على أرض الواقع
سيمون تروكو (متطوّع بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)
بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين 18 ديسمبر، يؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أهمية تغيير الإطار القانوني المنظم لدخول المهاجرين وولوجهم الى سوق الشغل التونسية حيث يواجهون انتهاكات خطيرة ومتعددة لحقوقهم الإنسانية وحقهم في العمل. وتعد أغلب هذه الانتهاكات ناجمة عن العقبات التي يواجهها المهاجرون في الحصول على عمل نظامي في تونس والتي تجبرهم على العمل غير النظامي مما يجعلهم عرضة للاستغلال بسبب ضعفهم وهشاشة أوضاعهم.
ملخص
يعتبر عدد المهاجرين في تونس عددا صغيرا مقارنة بجارتيها الجزائر وليبيا ويقطن أغلبهم بالمناطق الحضرية. ورقم نقص اليد العاملة في بعض القطاعات المهنية وفي بعض الولايات الا أن القوانين المنظمة لدخول الأجانب سوق الشغل التونسية والتي عفى عليها الزمن تقف عائقا أمام المهاجرين في البحث على شغل نظامي والحصول على عمل بعقد قانوني وأجر كريم.[1]
ترتكز الفصول الصارمة من 258 الى 269 لمجلة الشغل التونسية على مبدأ “الأفضلية الوطنية” في سوق الشغل أي منح الأولوية في التشغيل للعمال التونسيين في حال تساوت مؤهلاتهم مع مؤهلات الأجانب المتقدمين للوظيفة، وهو ما يحول دون حصول الأجانب على فرصة للحصول على وظيفة ذات مؤهلات منخفضة بما أنه يصعب الادعاء بعدم توفر يد عاملة تونسية ترغب في التعاقد لأداء عمل لا يتطلب مؤهلات عالية.
في نفس الوقت، تعتبر “الأفضلية الوطنية” مسألة إشكالية حيث تعاني بعض القطاعات الوظيفية وبعض الولايات من نقص في اليد العاملة ويفضل المشغلون انتداب الأجانب، وخاصة منهم المهاجرين من جنوب الصحراء. ففي حقيقة الأمر، لم يعد للتونسيين رغبة في العمل في بعض القطاعات اذ يطمحون للعمل في قطاعات أخرى توفر رواتب أعلى.
على سبيل المثال، يشتغل عدد كبير من المهاجرين في مجال البناء والخدمات الغذائية لتغطية نقص اليد العاملة في هذه القطاعات والتي تعود الى عزوف التونسيين عن العمل فيها. بالتالي، ولئن يشغل المهاجرون بالفعل مساحة في سوق الشغل، فان مبدأ “الأفضلية الوطنية” يحول دون حصول العمال الأجانب على عمل منظم بعقود قانونية وهو ما يوقعهم في مأزق الإقامة في تونس بصفة غير نظامية ويحول دون تمتعهم بحقوقهم في التغطية الصحية، الضمان الاجتماعي، التعليم، العمل النظامي وغيرها من الحقوق ويقودهم في أغلب الأحيان الى العيش في مساكن غير مهيئة. بالتالي وحتميا، غالبا ما يتعرض المهاجرون في تونس الى الاستغلال نتيجة وضعيتهم الهشة وضعفهم المتفاقم.
تستغل الشبكات الاجرامية المنظمة حالة الضعف هذه، اذ يمكن أن تبدأ قصة استغلال المهاجرين عند شروعهم في البحث عن عمل لتأمين احتياجاتهم وتزامن ذلك مع بحث المشغلين عن يد عاملة بأجور منخفضة. وفي أحيان أخرى، ينتحل بعض الوسطاء صفة تمثيل شركات توظيف ليجد المهاجرون أنفسهم في النهاية ضحية شبكة تجارة بشر.
مؤخرا، شهدت تونس وصول عدد هام من المهاجرين عن طريق وسطاء هجرة تلقوا مبالغ ضخمة مقابل عقود عمل مزورة وحجوزات نزل مزيفة ليكتشف المهاجرون فور وصولهم بأنهم كانوا ضحية عملية احتيال ويتم افتكاك جوازات سفرهم ويجبرون على العمل مجانا لأشهر عدة في شكل جديد من العبودية الحديثة.
استغلال العملة المهاجرين الأقل حظا ظاهرة منتشرة في تونس. في بعض الأحيان يوفر المشغل الإقامة للعملة وهي ميزة إيجابية الا أنها قد تكون سلاحا ذي حدين اذ تفاقم ضعف المهاجرين وتتستر عن حقيقة وضعهم وإمكانية تعرضهم للاستغلال. عموما، يتمثل استغلال العملة في منح المهاجرين أجورا ضعيفة مقارنة بالتونسيين الذي يؤدون نفس العمل كما يتمثل أحيانا في قيامهم بعمل اضافي أو بالعمل لساعات إضافية دون أجر.
يتعرض المهاجرون العاملون في القطاعات غير النظامية الى حوادث شغلية خطيرة، ومميتة في بعض الأحيان في غياب أدنى الإجراءات الوقائية ودون التمتع بالتغطية الصحية (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني للتأمين على المرض). وان صح القول بأن نصف عدد سكان تونس تقريبا يعملون في القطاع غير المنظم فان نسبة المهاجرين العاملين بصفة غير نظامية أعلى من المعدل الوطني[2]. من الضروري إذا العمل على تسوية وضعية العمال المهاجرين وإيجاد حلول لتقنين وتنظيم توظيفهم لما في ذلك من تأثير كبير على مدى هشاشة أوضاعهم.
فضلا عن كل ما سبق، تنتشر السلوكيات العنصرية والعنيفة ضد المهاجرين في بعض أوساط العمل حسب عدد من الدراسات.
ورغم دقة وصعوبة وضع المهاجرين في تونس، لا بد من الإشارة الى وجود أمثلة إيجابية عن مشغلين أسوياء لا يتعاملون مع المهاجرين بسوء ولا يعرضونهم للاستغلال ولا بد من اقتداء صناع القرار بهذه الممارسات في تعديل القوانين.
التغييرات العاجلة والضرورية لتعزيز حماية المهاجرين العمال
يجب على السلطات المعنية اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من ظاهرة استغلال المهاجرين العملة وذلك باعتماد الخطوات التالية:
- اطلاق عملية واسعة لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين غير النظاميين في تونس
- تنقيح مجلة الشغل التونسية لمواءمتها مع الحاجيات الراهنة للمشغلين الباحثين عن يد عاملة ولتوفير مزيد الحماية لحقوق المهاجرين ومكافحة تشغيلهم في القطاعات غير النظامية
- أخذ وضعية ووجهة نظر المهاجرين بعين الاعتبار في قوانين الشغل الوطنية
- تكثيف زيارات مراقبة متفقدي الشغل لأماكن العمل ووضع استراتيجية واضحة لكيفية تسليط العقوبات وتفعيل تنفيذها في حال رصد انتهاكات
- تعزيز دور النقابات في حماية العمال المهاجرين
- تعزيز جهود مناصرة حقوق المهاجرين قرب المشغلين
لابد من حماية وضمان حقوق المهاجرين والحفاظ على كرامتهم ولا بد للسلطات التونسية من وضع حد للاستغلال الذي يتعرضون له في العمل. اتخاذ هذه الخطوات سيعود بالنفع كذلك على سوق الشغل التونسية حيث يمثل المهاجرون قوة مبتكرة بإمكانها ضخ الحيوية على الاقتصاد الوطني إذا ما اعتمد هذا الأخير على قوانين وسياسات تشغيل صائبة تحترم حقوق الانسان.
[1] نذكر بالخصوص القانون عدد 68-7 المؤرخ في 8 مارس 1968 والمتعلق بحالة الأجانب بالبلاد التونسية والمرسوم عدد 68 – 198 المؤرخ في 22 جوان 1968 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في تونس والمعدل بموجب المرسوم عدد 716 – 1992 المؤرخ في 20 أفريل 1992
[2] يستند هذا التصريح على دراسات نوعية في غياب أي دراسات كمية أو احصائيات في هذا الشأن