المنظومة الواحية في قبلي: بين مطرقة التغيرات المناخية وسندان السياسات الفاشلة1
دنيا شعلالة، كاميليا صولي، الشريف الجديدي وحسن بنخليفة
تأطير رابح بنعثمان
تقع ولاية قبلي في الجنوب الغربي للبلاد التونسية، تحدها من الشمال ولايات قفصه وتوزر وقابس وجنوبا القطر الجزائري، وشرقا، ولايات تطاوين، ومدنين. وتقدر المساحة الجملية لولاية قبلي ب 22.454كلم2 وهو ما يمثل 13 ,5 % من المساحة الجملية للبلاد التونسية تحتوي ولاية قبلي على 07 معتمديات و09 بلديات ويبلغ عدد السكان فيها 163,257 ساكنا.
تزخر ولاية قبلي بموارد مائية جوفية هامة تم توظيفها في احداث المناطق السقوية واستصلاح الواحات التي تمسح 40 ألف هكتار وإنتاج الباكورات باستعمال المياه الساخنة وهو ما ساهم في تطوير القطاع الفلاحي. لكن رغم هذه الميزات تعاني الجهة من عدة إشكاليات باتت تهدد المنظومة الواحية برمتها.
وفي إطار الاكاديمية البيئية التي نظمها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من 24 الى 29 ديسمبر 2023 بولاية توزر، يندرج هذا المقال الذي سنتطرق فيه الى واقع الواحة في ولاية قبلي وأهم التحديات التي تواجهها.
- أهم مظاهر التغيرات المناخية وأثرها على الواحة
- ارتفاع كبير في درجات الحرارة
تتعرض الواحات في قبلي الى عديد التهديدات كغيرها من المنظومات الفلاحية في الجنوب ولعل من أبرزها تأثيرات التغيرات المناخية التي باتت تلقي بظلالها على ديمومتها وتتجلى هذه التأثيرات في الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة التي تصل الى 50 درجة مسببة جفاف التمور ومؤثرة بذلك على جودتها وبالتالي على تسويقها وهو ما يكبد الفلاح خسائر جمة.
صورة لعرجون تمور متيبس كليا بسبب الحرارة
2.1 ظهور افة عنكبوت الغبار
في السنوات الأخيرة، استشرى مرض عنكبوت الغبار في العديد من المستغلات الفلاحية وأصبح يشكل تهديدا حقيقيا لأشجار النخيل ويعتبر من أخطر الآفات التي تصيب الواحات التونسية حيث تكمن خطورته في قدرته على التكاثر بسرعة كبيرة خاصة في درجات الحرارة العالية وقدرة كل الاطوار على احداث الاضرار من خلال التغذي على عصارة الثمار وينتقل من نخلة الى اخرى عبر الرياح2 .
- استنزاف المائدة المائية
تتعرض الواحات الى استنزاف كبير للمائدة المائية الذي يعود أساسا الى حفر الابار بصفة عشوائية والتي بلغ عددها أكثر من 11ألف حسب ما أكدته لنا السيدة مروى عدواني مهندسة مختصة في القطاع الفلاحي خلال زيارتنا لإحدى الواحات وهو ما يعادل 300% من المائدة المائية في قبلي.
وفي نفس السياق يبرز مشكل تملح المياه الذي وصل سنة 2018 الى 0,8 مغ/ل حسب المندوبية الجهوية للفلاحة اضافة الى مشكل المصبات العشوائية التي بدأت تتوسع على حساب الواحات، وهو ما بات يهدد وجودها وبقاءها. كما تتعرض بعض الواحات على غرار واحة المنشية في سوق الاحد الى عديد المخاطر بسبب المياه الحارة التي أصبحت هاجسا يؤرق عديد الفلاحين بسبب أضرارها الكبيرة على أشجار النخيل وذلك رغم تعدد المشاريع التي أنجزت للغرض الا انها لا تزال تعاني نفس الاشكال سيما في ظل عجز السلط المعنية على ايقاف هذا النزيف.
- سياسات لا ترتقي الى حجم الكارثة
في خضم هذه الإشكاليات لم تعمل السلط المعنية على ايجاد حلول فعالة، فعلى سبيل المثال أدى ضعف الإحاطة بالفلاحين وغياب الارشاد الفلاحي إلى ظهور مستغلات جديدة تصنف في خانة العشوائية مثل مستغلة “فرعون“ التي تقع في منطقة سوق الاحد والتي تمتد على مئات الهكتارات. وتضم هذه المستغلة عددا كبيرا من النخيل والأشجار المثمرة كما تساهم في خلق ديناميكية اقتصادية بتشغيلها لعدد كبير من المعطلين عن العمل خاصة من أصحاب الشهائد العليا. ورغم هذه الأهمية الا ان الفلاحين في هذه المنطقة لم يجدوا أي احاطة خاصة فيما يتعلق بالتسوية القانونية لهذه المستغلات وهو ما يحول دون حصولهم على منح وقروض من شأنها تحسين ظروف عملهم. كما يجب التنويه إلى أن هذه المستغلات تساهم في الاستقرار الاجتماعي ولها دور كبير في الدورة الاقتصادية من خلال انتاجها لنوعية ممتازة من التمور.
الخاتمة
اجمالا يمكن القول ان المنظومة الفلاحية في منطقة قبلي تواجه رغم أهميتها إيكولوجيا واقتصاديا عديد التحديات التي تهدد سلامتها وديمومتها وهو ما يدعونا الى التفكير مليا في الحلول التي يمكن ان تساهم في الحفاظ عليها ولعل من أهمها الحفاظ على الثروة المائية من خلال اعتماد التقنيات المقتصدة للماء كالري قطرة قطرة. أما بالنسبة للمياه الحارة فيمكن انشاء برادات او احواض كبرى مشتركة للحفاظ على النخيل.
اضافة الى ذلك، وجب تكثيف تثمين المياه الحارة في الفلاحة الجيوحرارية وانتاج الباكورات ذات القيمة المضافة العالية. كما يجب مقاومة ظاهرة الابار العشوائية التي تهدد سلامة الثروة المائية وتكثيف حملات التوعية والتحسيس فيما يخص الترشيد في استهلاك الماء خاصة مع المجامع المائية التي تحتاج الى عملية تأهيل ومرافقة ومتابعة.
والاهم من هذا كله إيجاد حل للأراضي الاشتراكية أين تعطل الملكية الجماعية مساعي النهوض بالواحات. وعليه وجب التنسيق مع مجالس التصرف ومراجعة المنظومة القانونية للواحات وافرادها بمجلة خاصة بها مثلها مثل الغابات. كما يجب العمل على انشاء ديوان للتمور وتثمين الدراسات والبحوث حتى لا تبقى مهملة داخل الرفوف وكمثال على ذلك تثمين البحوث التي ينجزها معهد المناطق القاحلة بمدنين وغيره من المعاهد التي تقوم بعمل كبير يستحق التشجيع.
يمكنكم.ن الاطّلاع على الفيديو المصاحب للمقال عبر هذا الرّابط:
نقطة مي – الأكاديمية البيئية (youtube.com)