السودان: الرئيس الهارب من العدالة الدولية يواجه انتفاضة الشعب بالرصاص الحي على المجتمع الدولي التدخل فورا لحماية الأرواح
بيان مشترك
تدين المنظمات الحقوقية الموقعة بأشد العبارات استخدام السلطات السودانية للقوة المفرطة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ 19 ديسمبر الجاري، وهو ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. وتدعو المنظمات الموقعة السلطات السودانية إلى التوقف الفوري عن استخدام القوة المفرط ضد المحتجين، والرضوخ الفوري لمطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي التي طالما طالب بها المجتمع المدني والأحزاب السياسية بالسودان. والبدء الفوري في إجراء حوار وطني شامل تشارك فيه كل الأطراف والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة يعقبه تشكيل حكومة وفاق وطني وانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.
اندلعت شرارة الاحتجاج في مدينة عطبرة يوم الأربعاء 19 ديسمبر بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي ازدادت سوءا بعد قرار الحكومة برفع أسعار الخبز وعدد من السلع الأساسية في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وشح السيولة النقدية وندرة العديد من السلع في البلاد. وذلك في وقت يدرس فيه البرلمان السوداني تعديل الدستور ليسمح للرئيس البشير- الذي تولى الحكم في ٣٠ يونيو ١٩٨٩ بعد قيادته لانقلاب عسكري – بإعادة ترشيح نفسه للرئاسة بعد انتهاء فترة ولايته في ٢٠٢٠. شارك في الاحتجاجات أعداد غفيرة من المواطنين قدرها البعض بالآلاف، ثم انتقلت الاحتجاجات سريعا إلى القضارف والعاصمة الخرطوم ودنقلا، وفي الأيام التالية اتسعت رقعة الاحتجاج الشعبي ووصلت إلى مدن أخرى مثل أم درمان والبربر وبورت سودان والرهد والأُبيض وأم روابة.
تعاملت قوات الأمن بعنف مفرط مع الاحتجاجات، ولم تكتف باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق الاحتجاجات التي اقتربت إحداها من أسوار قصر الرئاسة في الخرطوم يوم الخميس 20 ديسمبر، بل استخدمت الشرطة الرصاص الحي في تفريق المظاهرات وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. كما قامت الأجهزة الأمنية باعتقال 14 من قيادات تحالف الإجماع الوطني المعارض خلال اجتماعهم في مدينة أم درمان، وفقا لبيان صادر عن التحالف. وشملت حملة الاعتقالات إحسان فقيري المدافعة عن حقوق الإنسان، ثم إطلاق سراحها، وفقا لبيان مبادرة لا لقهر النساء.
استلهم المتظاهرين السودانيين شعارات انتفاضات الربيع العربي وطالبوا في احتجاجاتهم بإسقاط نظام البشير ورفعوا النداءات المطالبة بالحرية وأحرق بعض المحتجين مقار تابعة للحزب الحاكم. وفي المقابل استعارت السلطات السودانية بعض الخطوات التي لجأت إليها بعض الأنظمة الحاكمة آنذاك لقمع الاحتجاجات الشعبية؛ فقطعت خدمة الانترنت يوم الخميس لمنع المتظاهرين من التواصل مع بعضهم وتبادل الأخبار وتنظيم احتجاجات يوم الجمعة، وتم تعليق الدراسة في الخرطوم فيما أعلنت حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال في القضارف وولاية النيل الأبيض وولاية الشمالية. واستخدمت السلطات السودانية قاموس الطغاة العرب الأثير لوصف الانتفاضات الشعبية؛ فاتهمت المظاهرات السلمية بأنها تحولت بفعل المندسين إلى نشاط تخريبي. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية أنباء تزعم إلقاء القبض على خلية تخريبية تضم كوادر حزبية معارضة تعمل بتنسيق تام مع الحركات المسلحة، دون مزيد من التفاصيل. وبرغم سقوط القتلى والجرحى تزعم السلطات السودانية أن قوات الشرطة تعاملت بصورة حضارية مع المتظاهرين ولم تعترضهم، وذلك وفقا لمزاعم الناطق الرسمي باسم الحكومة.
يقود النظام الحاكم في السودان رئيس متهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرًا بتوقيفه منذ نحو 10 سنوات، وتحت إدارة الرئيس الهارب من العدالة الدولية يعيش السودان منذ سنوات في ظل نظام لا يبالي بسجله الأسود وانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، ويعاني المواطنين من أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية، فيما يضطر العديد من النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان إلى اللجوء للمنفى الإجباري أو الاختياري فرارًا من التعذيب والمحاكمات الجائرة وملاحقة الأجهزة الأمنية.
وفيما فشل المجتمع الدولي في محاسبة البشير وأعوانه، فإن الأنظمة الحاكمة العربية تواطأت مع البشير في تحدي قرار المحكمة الجنائية الدولية، ووفرت له الحماية وامتنعت عن تنفيذ قرار المحكمة في إطار السعي لإضعاف آلية المحاسبة الدولية على انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما سيستفيد منه عدد لا بأس به من قادة المنطقة المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وهكذا شهد مارس 2017 استقبال الأردن للبشير للمشاركة في القمة العربية، لتمتنع بذلك الحكومة الأردنية عن تنفيذ التزاماتها الدولية برفضها اعتقال البشير. وهو ما شجع المملكة المغربية على استقبال البشير في أغسطس 2017. وفي أكتوبر 2018 زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخرطوم وفي الشهر التالي زار البشير مصر للمشاركة في منتدى شباب العالم. وقبل اندلاع انتفاضة الشعب السوداني بأيام كان البشير في دمشق في زيارة لبشار الأسد الذي يدير حرب همجية ضد شعبه منذ أكثر من 7 سنوات. وفي 23 ديسمبر الجاري أجرى أمير قطر اتصالا هاتفيا مع البشير أبلغه فيه مساندة الدوحة للسودان لتجاوز ما أسماه بالمحنة.
التواطؤ ضد الشعب السوداني لا يقتصر على مظلة الحماية التي يوفرها أعضاء الجامعة العربية للبشير وتسهيل فراره من العدالة الدولية، بل يمتد التواطؤ ليشمل غالبية الصحف ووسائل الإعلام العربية التي تتعمد تجاهل القمع الذي تتعرض له الانتفاضة الشعبية في السودان، وذلك لافتقار وسائل الإعلام في المنطقة للاستقلال وتبعيتها للأجهزة الأمنية التي تخشى أن تؤدي التغطية الإعلامية لانتفاضة السودان إلى انتفاضة شعوب أخرى في المنطقة تعاني من القمع وشظف العيش. حتى وسائل الإعلام العربية التي تمتلك إمكانات هائلة وتركز على تغطية التطورات السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان في عدد من البلاد العربية، خذلت الشعب السوداني بتجاهلها تغطية انتفاضته بسبب المصالح السياسية المشتركة مع النظام الحاكم في السودان.
تطالب المنظمات الموقعة المجتمع الدولي بألا يقف صامتا إزاء ما يحدث في السودان، وأن يتدخل بشكل عاجل وفوري للضغط على النظام السوداني لاتخاذ الإجراءات المذكورة أعلاه. إن انتفاضة الشعب السوداني هي جزء من حركة الاحتجاج التي تشهدها العديد من الدول العربية من أجل المساواة والعدالة والتمتع بالحقوق التي أقرها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وعلى المجتمع الدولي التدخل لحماية أرواح وحقوق المحتجين في السودان؛ فمن العار أن يسقط المطالبون بالحق في الخبز والحرية ويقف العالم متفرجا في صمت.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
- المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان
- مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان
- مركز مدافع لحقوق الإنسان
- المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- كوميتي فور جستس
- مبادرة الحرية
- مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان
- مواطنة لحقوق الإنسان (اليمن)
- بلادي جزيرة الإنسانية
-
الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
-
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين
-
جمعية يقظة من أجل الدفاع عن الديمقراطية والدولة المدنية
-
جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية
-
مركز النديم